ثلاثية المرتزقة والإرهابيين وعصابات الجريمة

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

الشواهد تدل على أن حرب المرتزقة في أوكرانيا، ستكون لها، تداعيات ليست منظورة حتى الآن. فهؤلاء المقاتلون بأجر سوف يعودون إلى بلدانهم، حين تتوقف المعارك، منهم العائدون إلى أوروبا، ومنهم من جاؤوا من دول الشرق الأوسط. والأخيرون يسبقهم تاريخ سلوكياتهم في إشاعة عدم الاستقرار في ليبيا، ومن لا تزال فلولهم تسعى لاستعادة نشاطها في سوريا والعراق.

 هؤلاء سوف يعودون – حين تتوقف الحرب – إلى البلاد التي جاؤوا منها مزودين بخبرات قتالية جديدة، وبعلاقات مع أشباههم – في المهنة – من دول أوروبا، وقضيتهم في الأصل نشر الفوضى، فهم ليسوا أصحاب قضية وطنية أو إنسانية.

 أضف إلى ذلك ما هو معروف ومسجل عن العلاقة بين تنظيمات الإرهاب في المنطقة العربية، والعصابات الدولية للجريمة المنظمة، والذين تعددت التعاملات فيما بينهم في تجارة السلاح، وشراء هذه العصابات للبترول المسروق من العراق وسوريا، والذي كان يتم تهريبه عبر حدود تركيا ليصل إلى أوروبا، وأيضاً متاجرة هذه العصابات في القطع الأثرية النادرة، التي كان الإرهابيون يستولون عليها من متاحف في سوريا والعراق.

الآن تتصدر عمليات جلب المرتزقة المقاتلين من الجانبين في أوكرانيا عناوين الأحداث. وكان لافتاً للنظر في وصف هؤلاء المرتزقة، ذلك العنوان الذي تصدّر صفحات جريدة «التايمز» البريطانية وهو «بندقية للإيجار»، Hired Gun.

 وقالت الصحيفة إن المرتزقة القادمين من دول الغرب، يأتون للقتال ضد روسيا، لقاء 2000 دولار في اليوم، أي أنهم يتقاضون 60 ألف دولار في الشهر، وهو «إغراء لا يقاوم»، وهؤلاء يتم استئجارهم وفق عقود.

 وطبقاً لتقرير لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فإن الشركات العسكرية المختصة بتوريد المرتزقة، هي شركات أمريكية وأوروبية.

 وكما يقول جوزيه لويس جوما رئيس مجموعة العمل بالأمم المتحدة والمختصة بدراسات استخدام المرتزقة، فإن مرتزقة هذه الأيام هم خليط يجمع مقاولي قطاع خاص، وحراس أمن، وجنود يقاتلون بأجر، وموظفين سابقين في شركات عسكرية خاصة، وأن الفرد من هؤلاء يحصل على ما يتراوح بين 3000 دولار إلى 10 آلاف دولار، وذلك بناء على قدراته القتالية.

 وتشير دراسة حديثة إلى أن شركات تأجير المرتزقة كانت قد وسعت من نشاطها في عهد الرئيس بوش الابن، كوسيلة فعالة لكسب الحرب، وأن شركات مقاولات المرتزقة كانت قد وسعت نشاطها في السنوات الأخيرة على المستوى العالمي، حيث لاحظنا ازدهار نشاطها في نيجيريا وسوريا والعراق.

 وحسب ما جاء في تقرير مركز «أتلانتيك كونسيل» الأمريكي للبحوث السياسية، فإن دولاً غربية مثل أمريكا وبريطانيا وأستراليا، قد استخدمت المرتزقة في حروب بالوكالة، وهو ما تحدثت عنه أيضاً جامعة الدفاع الوطني الأمريكية في دراسة بعنوان «المرتزقة والحرب: ومعنى الجيوش الخاصة في عالم اليوم»، وأشارت إلى أن روسيا سبق أن استخدمت 500 من المرتزقة لتنفيذ عمليات خاصة في الكونغو.

 وهناك مصادر أمريكية عديدة ربطت نمو هذه الظاهرة، بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما تحدث عنه تفصيلاً المؤرخ أندرو باسيفيتش في كتابه «حرب أمريكا من أجل ضمان إشعال حروب بهدف تشغيل صناعات السلاح».

 وأضاف أن هذه السياسة كان لابد أن تؤدي إلى استياء الشعوب التي اتخذت تجاهها هذه السياسة، وإلى نشر الفوضى، وكل ذلك كان يستند إلى سوء التقدير من صناع القرار السياسي، وكان من نتائجها ما ظهر من فشل غزو أمريكا للعراق.

 إن ظاهرة المرتزقة التي اتسع نطاق تواجدها في تاريخنا المعاصر، قد صدّرتها القوى الكبرى، خاصة دول الغرب، والتي حملت في طياتها تفشي نشاط منظمات الإرهاب العابر للحدود، والتي كان على رأس أولوياتها هدم الدولة الوطنية في منطقتنا.

 وبالرغم من صناعة دول الغرب لهذه الظاهرة وتصديرها إلى خارجها، فإنها ارتدت إليهم بتوحش، نتيجة شعور منظمات الإرهاب بتضخم ذاتها بسبب وفرة السلاح الذي زودتهم به دول كانت قد استخدمتها، وحيث فوجئ الجميع أن هذه المنظمات نقلت جزءاً من عملياتها الدموية إلى دول غربية. وكان المفترض منطقياً أن تتوقف هذه الدول عن احتضانها لمثل هؤلاء المقاتلين بأجر، إلا أننا نشهد هذه الأيام عودة هذه الدول إلى تنشيط هؤلاء المرتزقة واحتضانها لهم، وإعطائهم قبلة الحياة في حرب أوكرانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"