العقوبات الاقتصادية الأحادية ترهق الاقتصاد العالمي

21:37 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
ميثاق الأمم المتحدة هو بمثابة الدستور العالمي الذي يؤكد على أن العمل الدولي قائمٌ على تعددية الأطراف، وإن القوانين والممارسات الداخلية للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، يجب أن تكون متوافقة مع هذا الدستور. وقد أظهر التاريخ أن السلام العالمي ورفاهية الأمم مهددان من قبل الأحادية، بما في ذلك فرض تدابير قسرية أحادية الجانب ضد دول أخرى، والتي هي موجهة في الغالب ضد المنافسين الجيوسياسيين أو الجيواقتصاديين.
وباستثناء عقوبات الأمم المتحدة المفروضة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي هي عقوبات قانونية، فما عدى ذلك من عقوبات أحادية، يتعارض مع نص وروح ميثاق الأمم المتحدة. تماماً كما أن حظر الأسلحة ضروري ومشروع، لأنه يهدف إلى تخفيف حدة النزاعات وإعطاء فرصة لمفاوضات السلام، فإن العقوبات الاقتصادية التي تهدف إلى «تغيير النظام»، تشكل تهديداً للسلام والاستقرار في العالم وتجب إدانتها من قبل مجلس الأمن بموجب المادة 39 من الميثاق.
فقد دلت التجربة على أن العقوبات الاقتصادية تؤثر سلباً في عموم السكان وتحرمهم مما يسمى حاجاتهم الأساسية (Basic needs). وقد تسببت العقوبات، بما في ذلك العقوبات «القانونية» التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (على سبيل المثال ضد العراق 1991-2003)، في موت جماعي للعراقيين، كما وثقت ذلك اليونيسيف والمنظمات الدولية الأخرى (حوالي نصف مليون طفل عراقي قضوا بسبب العقوبات، كما توفي في فنزويلا حوالي 40 ألف شخص بسبب العقوبات في عام 2018 وحده).
وعندما تتسبب العقوبات في مثل هذا الخراب، يجب رفعها ويجب تجربة طرق أخرى تتفق مع مبادئ وأغراض الأمم المتحدة. هذه العقوبات تتعارض أيضاً مع القانون الإنساني الدولي، الذي يدين على وجه التحديد «العقاب الجماعي». علاوة على ذلك، فإن أنظمة العقوبات التي تعطل أو حتى تخنق اقتصادات البلدان المستهدَفة تؤدي إلى البطالة والجوع والمرض واليأس والهجرة والانتحار. واعتباراً بعشوائيتها، فإن هذه العقوبات، والحال هذه، ترقى إلى مستوى إرهاب الدولة، الذي يستتبع بحكم تعريفه القتل العشوائي، تماماً مثل الألغام الأرضية والقنابل العنقودية واستخدام أسلحة اليورانيوم المستنفد المسببة للسرطان.
الولايات المتحدة التي تجاهلت 29 قراراً للجمعية العامة طالبتها بفك الحصار الأمريكي الذي تفرضه على كوبا منذ عام 1960؛ إضافة إلى قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 46/5 الصادر في مارس 2021 الذي يدين بشكل لا لبس فيه الإجراءات القسرية الأحادية ويطالب بإلغائها، كثّفت كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية التي تؤثر في حقوق مئات الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم. بهذا المعنى يكون تاريخ التدابير القسرية الانفرادية هو تاريخ معاناة ودمار. وعلى الرغم من أن الغرض منها هو على وجه التحديد إحداث فوضى، وحالة طوارئ وطنية، ووضع متقلب مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها، فإن الخطاب السياسي الذي يحاول تبرير العقوبات يتذرع بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان الجوفاء.
ليس هذا وحسب، فإن هذه العقوبات الأحادية قد تسببت في أعطاب وأعطال للتجارة العالمية ولكفاءة وسهولة حركة رؤوس الأموال عبر العالم، فضلاً عن تسهيل انتقال الأشخاص الطبيعيين Movement of Natural Persons في إطار «تزييت» عجلة الاقتصاد العالمي، كما هو موصوف في قواعد منظمة التجارة العالمية، وكذلك انتقال التقنيات والمعارف وبراءات الاختراع، وبالتالي مضايقة محركات وديناميات الاقتصاد العالمي، وذلك برسم ما يحدث اليوم في قطاعات الطاقة والغذاء والنقل بسبب عاصفة العقوبات الأمريكية الأوروبية ضد روسيا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
لذا صار من الضروري إعادة التأكيد على الأسباب التي تجعل التدابير القسرية الانفرادية غير متوافقة مع هدف ومقصد ميثاق الأمم المتحدة، ومنتهكة للمبادئ الأساسية للميثاق، بما في ذلك المساواة في السيادة بين الدول، وحرية التجارة، وحرية الملاحة، وعدم التمييز، والالتزام بحل الخلافات عن طريق التفاوض، وحظر استخدام القوة. مع ذلك، تصر وسائل إعلام مؤسسية على نشر المزاعم غير المؤسسة بأن العقوبات تُفرض لغرض خيّر لحث الدول على التوقف عن انتهاك القانون الدولي أو التوقف عن انتهاك حقوق الإنسان. هذه سخرية من المجتمع الدولي. لذلك، فمع الأخذ بعين الاعتبار أن العقوبات الاقتصادية والحصار المالي يتسببان في وفاة مئات الآلاف من الأبرياء في جميع أنحاء العالم، ينبغي لمحكمة العدل الدولية أن تصدر فتوى توضح سبب تعارض هذه العقوبات مع القانون الدولي وتحديد النتائج القانونية المترتبة على ذلك. ويجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تعلن أن هذه العقوبات تشكل جرائم ضد الإنسانية وفقاً للمادة السابعة من نظام روما الأساسي.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"