دول التعاون الخليجي والحرب في أوكرانيا (2-2)

22:01 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

بالحسابات الرياضية البحتة، يحسب بعض معلقي الأخبار موضوع تناولهم حصيلة الحروب، فيقولون هناك رابحون وهناك خاسرون من الحرب وإذا كان هذا صحيحاً بشكل عام، فإن الحروب هي في المحصلة النهائية خسارة للمجتمع العالمي وللثروات المادية التي روكمت على مدار عقود ومئات السنين، وخسارة لرموز الحضارة المشيدة وللحياة البيئية، في البر والبحر والجو وفي الحرب الروسية الأطلسية الجارية حالياً، ذهب بعض المعلقين «المحاسبيين الصرفين»، إلى أن الدول المصدرة للنفط في العالم، ومنها بلداننا الخليجية، سوف تحقق فوائض مالية في موازناتها لهذا العام بفضل تخطي سعر برميل النفط عتبة ال100 دولار (بلغ سعر برميل النفط من نوع العربي الثقيل 107.64، والعربي الوسيط 108.99 دولار يوم الخميس 19 مايو 2022) هذا صحيح، لكن هؤلاء المعلقين ينسون السنوات العشر ونيف الأخيرة التي كان فيها سعر برميل النفط سبباً في عجوزات متراكمة في الموازنات الخليجية العامة، والتي أدت إلى تراكم الدين العام لبعض بلداننا، ثم لا ننسى أن أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا بادرت بضخ كميات كبيرة من النفط في السوق من احتياطياتها الاستراتيجية من أجل خفض سعر البرميل.
ليس هذا كل شيء، فهناك نية ظاهرة لممارسة مزيد من الضغط على الدول المصدرة للبترول، لاسيما الدول الأعضاء في ائتلاف «أوبك بلس» من أجل إجبارها على زيادة طاقاتها الإنتاجية لمساعدة أمريكا وأوروبا على خفض فاتورة مشترياتهما النفطية. فقد أقرت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس 5 مايو 2022، مشروع قانون «منع كارتلات إنتاج أو تصدير النفط» (NOPEC)، قد يعرِّض منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركائها لدعاوى قضائية بتهمة التواطؤ لرفع أسعار النفط الخام لكن ذلك يتطلب قطع القانون لرحلة طويلة قبل أن يجد طريقه للتنفيذ على يد المدعي العام الأمريكي لمقاضاة أوبك أو أعضائها أو أعضاء أوبك بلس، فهو بحاجة إلى موافقة مجلسي الشيوخ والنواب وكذلك مصادقة الرئيس عليه وهذه مراكز قوى مرتبطة بمصالح القطاع النفطي الأمريكي أكثر من ارتباطها بمصالح المستهلك الأمريكي الذي فزع له أعضاء اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ للتغطية على أدائهم البائس تجاه ناخبيهم.
كانت، وما زالت منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» تشكل مصدر ابتزاز لأعضاء السلطة التشريعية الأمريكيين المحسوبين على قاعدة عريضة من لوبيات المصالح، خصوصاً حين تتسبب سياسة الطاقة الأمريكية واستخدامها كأداة في السياسة الخارجية، في أزمة طاقة كالتي تواجهها الولايات المتحدة اليوم، حيث ارتفعت أسعار التجزئة في محطات بيع البنزين والديزل منذ مطلع العام بنسبة 50% و80% على التوالي لكن لوبيات شركات النفط الأمريكية في ولايات النفط الأمريكية مثل تكساس ونيومكسيكو ونورث داكوتا وألاسكا، ومراكز القوى الأخرى مثل معهد البترول الأمريكي، أظهرت أنها أقوى من لوبيات المصالح التي تمثلها مجموعة أعضاء الكونجرس المشتغلين على تمرير قانون «نوبك».
هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها بعض أقطاب المصالح، من خلال بعض أعضاء الكونجرس من الحزبين، لمحاولة الضغط على أوبك وابتزازها للحصول على تنازلات تحقق مصالح تلك القوى والمستوى السياسي الذي يمثلها، فقد سبق أن جرب بعض أعضاء المجلسين منذ عام 2007 تمرير هذا القانون، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل لكن هذه المرة ربما تتخذ المسألة منحنى آخر في ضوء سياسة الضغط القصوى التي بدأت إدارة الرئيس جو بايدن ممارستها ضد العديد من بلدان العالم التي اختارت النأي بنفسها عن المعركة المندلعة في أوروبا بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة وروسيا من جهة ثانية.
ولأول مرة تشعر بلدان العالم قاطبة بمدى هشاشة النظام التجاري والنقدي والمصرفي والمالي العالمي، وتدهور مستوى الأمان والثقة والاستقرار الذي ظل يميز العلاقات الاقتصادية الدولية منذ إنشاء مؤسسات النظام الاقتصادي الدولي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بما في ذلك الخطر الذي بات يتهدد الأصول والثروات والودائع الأجنبية في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي بعد قيامهما بتجميد ومصادرة الودائع والأصول الروسية لديها، من دون أي اعتبار للقانون الدولي ولالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وقبل ذلك استيلاء الحكومة الأمريكية على ودائع البنك المركزي الأفغاني المودعة لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، واستيلاء الحكومة البريطانية على احتياطيات الذهب الفنزويلي المودعة لدى بنك إنجلترا. فمثل هذا الانقلاب في العلاقات المالية والنقدية العالمية، سوف يستدعي بالضرورة تحركاً تحوطياً من قبل كافة الدول والمستثمرين، لحماية ثروات أصولهم وودائعهم في هذه الدول لتفادي نفس المصير الذي حاق بأصول وأموال بعض الدول التي أصبحت فجأة خارج ملكيتها.
* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"