عادي

لولوة المنصوري.. روائية تروض لغة الشعر

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
13

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«لا يمكنني تقييد التوجه نحو الكتابة بمفردة (المشروع)، إنما هي رحلة، مغامرة، طيش سحري، انثيال نحو نداء مجهول غامض»، هكذا تحدثت الكاتبة لولوة المنصوري التي برعت في مجالي القصة والرواية، غير أنها لا تعترف بفكرة المشروع السردي الخاص، فهي تتعامل مع الإبداع بصورة خاصة، ومختلفة، ومتحررة من القيود والتنميط، تستقي مواضيعها من البيئة وتسافر، بعيداً إلى حيث الماضي السحيق والأساطير والغرائب والعجائب.

وتكمن البراعة في تمكّن الكاتبة من ناصية اللغة الشاعرية التي تضفي على النص السردي عطرية خاصة، ما يجعل لها أسلوباً خاصاً، وربما ذلك ما جعل المنصوري تقول حول لقاء الشعر والسرد في كتاباتها: «كان السرد في جوهره شعراً، عندما أكتب لا أفكر في التخوم بين الشعر والسرد، وإنما بالتعايش بين العناصر والأضداد والثنائيات، التفكير القصدي بالتخوم يوقعني في التكلف والتعسف، بينما الانصهار في التعايش هو التجلي العفوي في فضاء اللغة»، وكل من يقرأ لها يلاحظ تلك اللغة الثرية جهة المفردات والدلالات، ولا غرابة في ذلك، فقد سبق ذلك البذل الجمالي مراحل من القراءة المتعمقة التي كانت هي طريق المنصوري نحو الكتابة، فقد ولدت في بيت ضم مكتبة كبيرة في منتصف الثمانينات.

يوميات

تعلّق قلب المنصوري بالكتابة في وقت مبكر، فقد كتبت يوميات الطفولة منذ أن كانت تبلغ من العمر 9 سنوات فقط، كانت حينها في المدرسة الابتدائية، أما في الجامعة فقد كتبت أول قصة قصيرة لها في عام 1999، وكانت تحمل اسم «رسالة رثاء طيفية»، ووجدت صدى كبيراً، وحصلت على جائزة أفضل قصة قصيرة على مستوى طلاب وطالبات الجامعة، ونالت استحسان الأساتذة الذين قدموا للمنصوري إشادة وإرشادات نقدية، وكان أن شكّل ذلك الأمر تحدياً كبيراً للكاتبة الشابة التي أبحرت في عوالم السرد متنقلة بين القصة والرواية، وكانت أولى إصداراتها الروائية بعنوان «آخر نساء لنجة»، في عام 2013، والتي كان محورها المكان والسفر في تواريخ قديمة، ووجدت تفاعلاً وصدى واسعاً، الأمر الذي شجعها على الاستمرار، حيث كان ذلك العمل بالنسبة إليها بمثابة المحطة والمنعطف الكبير الذي جعلها تشعر بأنها تنطلق بحرية في فضاء السرد، ويبدو أثر الرواية واضحاً في حديث المنصوري عنها عندما قالت: «العمل يمثل بداياتي في عالم الرواية، ورغم أنه لم يمض عليها سوى بضع سنوات فقط، فإن أسلوبي وأفكاري ومطامحي الروحية قد تغيّرت منذ ذلك الوقت»، وكانت تلك محطة أعقبتها كتابات أخرى شديدة الإشراق والجمال مثل رواية «خرجنا من ضلع جبل» الفائزة بجائزة الإمارات للرواية، فضلاً عن «قوس الرمل»، والمجموعة القصصية «قبر تحت رأسي» التي حصدت جائزة الشارقة للإبداع العربي، ولها أيضاً مجموعة قصصية بعنوان «القرية التي تنام في جيبي» والتي نالت جائزة مجلة دبي الثقافية.

شرود

كانت الكاتبة في طفولتها ومراحل بدايتها تعاني حالة من الشرود الذهني، ورغم أن ذلك الأمر سبب لها الكثير من المشاكل والشكاوى من قبل المدرسين، إلا أنها تعتقد بصورة كبيرة أن لتلك الحالة علاقة بإبداعها في مجال السرد، حيث كان لها تأثيرات في مشوارها في الكتابة وتعمقت في داخلها، حتى أن المنصوري صارت مع الوقت تعشق سرحانها الطويل الذي يتخلل مهام حياتها اليومية، أثناء الكتابة، أو القراءة، أو قيادة السيارة، حيث كانت تسكن بين الشرود والكتابة، وكانت المنصوري ترى أن ذلك التنقل الجميل بين حالات الشرود والإبداع هي مهمة أصيلة بالنسبة إليها، وما سواها مجرد مهام تنتمي إلى الأرض والمادة والاستهلاك وليست لها أهمية، وكأنما ذلك الشرود هو فعل إلهام ومقدمة لفعل إبداعي، وذلك ما جعلها تقول: «أنا كائن يسكن في الشرود والذهول العميق منذ طفولتي».

الصحراء والأساطير

في نصوص المنصوري تتجول الحكايات الأسطورية، والتاريخ والمكان والتراث الإماراتي وما يحتشد فيه من غرائبيات وعجائبيات، ولعل ذلك الأمر له علاقة كبيرة بنشأتها في سهل جلفار في رأس الخيمة، فقد ترعرعت في مواقع تحكي عن تاريخ قديم وعريق، ولعل حضور الأسطورة يبدو أكثر وضوحاً في رواية «قوس الرمل»، حيث إن فكرتها مستوحاة من حكاية الطوفان القديم الذي ذاعت سيرته في الأساطير القديمة لبعض الحضارات العظيمة.

وكذلك تكثر حكايات الصحراء في كتابات المنصوري، إذ كان لها أثر كبير في تجربتها الكتابية، وربما ذلك ما جعلها تتحدث عن الصحراء بكل حب في قولها: «الصحراء بيتي الرّوحي العظيم، تمنحني الكبرياء وصفاء الوعي، تهديني النظرة العجائبية الثاقبة والتركيز على الذات والتكبّر على القشور والماديات، الصحراء هي البصيرة وبيت النبوءات الخالدة، هي الزمن الكليّ، لا تعرف بدايته من نهايته، هي التيه الذي ينبئ بالتحوّل الباطني العميق».

صحافة

خاضت المنصوري أيضاً تجربة العمل الصحفي بذات الألق الأدبي في المجلات الاجتماعية، ولم تتخل عن أسلوبها الشعري والسردي في مجال الصحافة، وهي تحمل رؤية مختلفة حول الأجناس الإبداعية، أوجزتها في قولها: «أحاول أن أتنفس ككاتبة من كل العناصر بشكل عام، ولا أتجزأ وفق التصنيفات والأجناس، قد أكتب رواية متى ما استدعت الفكرة والحاجة إلى بلورتها في فضاء أكثر انطلاقاً، أو قد تحتاج اللحظة إلى اختزال مكثف لبناء قصة، أما العمل الصحفي فقد زاولته في المجلات الاجتماعية قبل الانسحاب منها إلى كتابة الأدب والتفرغ له، لكل تجربة زمنها الخاص، نصل إلى حد الاكتفاء منها والانطلاق نحو انصهار جديد في عوالم جديدة».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"