هل تغلق موسكو الصنبور؟

21:18 مساء
قراءة 4 دقائق

خافيير بلاس*

لا تزال أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا أقل بكثير من أعلى مستوى لها على الإطلاق في مارس/ آذار الماضي، لكن إذا تعمقنا في المسألة، فسنلاحظ وجود علامات، تشير إلى اضطراب مطوّل، قد يمتد لأكثر مما توقعته الأسواق في أعقاب الأزمة العسكرية لروسيا على أوكرانيا.

وفي حين تم تسعير سوق الغاز في ذلك الوقت، بناء على معطيات أزمة قصيرة الأجل، ربما تستمر لشهرين أو ثلاثة، إلا أن الأسعار الآن تُنذر بخطر شديد قبيل الشتاء المقبل، وحتى العام المقبل، وبشكل متزايد حتى عام 2024. وعليه، بدأت أوروبا بأكملها مطلع هذا الشهر، إعادة تسعير الغاز من منحنى منخفض إلى مستوى أعلى جديد.

كان التحول في المنحنى الأمامي، هو التطور الأكثر بروزاً في سوق الغاز الشهر الماضي، وهو تطور لم يلقَ اهتماماً كافياً بين العواصم الأوروبية. ومع ذلك، فإن الصناعة تدرك جيداً أنها تتحمل الكُلفة.

في مارس، حدد الصانع الألماني أسعار الغاز للعام المقبل بأكمله بنحو 80 يورو لكل ميجاواط/ساعة، لكن الآن، يتعين على الدولة دفع 145 يورو للتحوط من نفس مخاطر السعر. وفي الأسبوع الأول من يوليو/ تموز الجاري، ارتفعت عقود الغاز الطبيعي المرجعية في «مرفق نقل الملكية» الهولندي «TTF» الذي يحظى باهتمام شديد، وهو معيار قياسي أوروبي، إلى مستويات عالية عند نحو 175 يورو، وتضاعفت الأسعار في غضون شهر، بعد أن قطعت روسيا الإمدادات عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى ألمانيا.

ومع ذلك، لا تزال أسعار عقود الغاز الفورية أقل من التسوية القياسية البالغة 227 يورو، والتي تم تحديدها خلال الأيام الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو أمر مقلق، لكنه لا يشكل تهديداً حقيقياً على السوق، فالأسعار مرتفعة وغير مرتفعة في آن واحد. وبعد ما عاناه السوق في شهر مارس/آذار، يمكن فهم سبب عدم ذعر صانعي السياسات في ظل الظروف الحالية.

في المقابل، تكون هذه الافتراضات صحيحة إذا تجاهلنا الإجراء على الطرف الخلفي لمنحنى أسعار الغاز. ففي 5 مارس، عندما ارتفعت أسعار الغاز الفورية إلى نحو 185 يورو، ارتفعت عقود التسليم الآجلة في ديسمبر/كانون الأول إلى نحو 155 يورو فقط، بينما في الأسبوع الأول من هذا الشهر، عندما كان السعر الفوري أقل قليلاً، تم تداول عقد ديسمبر/ كانون الأول عند نحو 195 يورو.

بعد مرور قرابة العام على المفاوضات، اقتنع السوق أخيراً بأن موسكو ستواصل القيام بذلك، وربما بكثافة أكبر، والاختبار الأول أتى بالفعل. فقد خضع مؤخراً خط أنابيب «نورد ستريم 1»؛ أهم خط غاز يصل بين روسيا والاتحاد الأوروبي، للصيانة السنوية الاعتيادية. وخشيت برلين حينها أن تجد موسكو في ذلك ذريعة لإبقائه مغلقاً للأبد، وبالتالي قطع إمدادات الغاز عن ألمانيا بالكامل، لكن روسيا أعادت فتحه من جديد، بعد انتهاء الأعمال، وبناء عليه تنفست ألمانيا الصعداء. وبالنظر إلى كل ما فعلته روسيا حتى الآن، يحق ليس فقط للحكومة الألمانية؛ بل للقارة الأوروبية بأكملها أن تقلق، وأن تخشى على مستقبل الطاقة لديها.

إلا أن روسيا قد ترغب في إبقاء الصنبور مفتوحاً قليلاً، للسماح بتدفق بعض الغاز، وبالتالي المحافظة على نفوذها على المدى الطويل. ربما يكون هذا منطقياً من وجهة نظر احترافية، فبمجرد أن توقف روسيا الإمداد تماماً، لن يكون بإمكانها ممارسة الضغط من جديد، وستفقد جزءاً مهماً من أدواتها الضاربة ولو نسبياً؛ لذلك، من الناحية التكتيكية، من المرجح أن تحافظ موسكو على بعض الشحنات المتدفقة مع خيار قطع أو إبطاء أو تسريع التدفقات متى شاءت. علاوة على ذلك، فإن «نورد ستريم 1» هو الطريق الرئيسي لعبور الغاز الروسي إلى كامل أوروبا، فلك أن تتخيل نتائج ما سيحدث لو تعنتت روسيا أكثر.

ومن وجهة نظر مالية، وعلى مبدأ الأرباح والخسائر، فإن عدم إعادة فتح خط الأنابيب العملاق بعد انتهاء عمليات الصيانة الدورية، سيحد بلا شك من الأرباح التي تتمتع بها شركة «غازبروم» الروسية، عملاق الغاز الروسي المملوك للدولة، من جرّاء ارتفاع أسعار الغاز، لكن البدائل كثيرة بالنسبة لموسكو إن لم تكن موجودة بالفعل.

لقد قالت روسيا كلمتها بوضوح لأوروبا فيما يخص إمداد الغاز للقارة، لكن في الوقت الحالي، من المرجح أن يستمر الكرملين في التمتع بأفضل ما في الأمرين: عوائد عالية ونفوذ جذّاب. ولتحقيق أهدافها، تحتاج روسيا إلى الاستمرار في بيع بعض الغاز لألمانيا، ولكن بأسعار مخفّضة، كما تفعل في الوقت الحالي.

السوق محق في إعادة تسعير منحنى الغاز، والسؤال الوحيد هو لماذا استغرق هذا الوقت الطويل؟ تبقى هناك المزيد من المخاطر المستقبلية في مرحلة ما، ومن المرجح أن تحجب موسكو الإمداد تماماً، ربما قبل الشتاء مباشرة، في محاولة لتركيع الاقتصاد الألماني. وهذه نتيجة لم يحددها السوق بعد.

* كاتب في مجال الطاقة ومحرر السلع في «فاينانشال تايمز» *«تايبيه تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في مجال الطاقة ومحرر السلع في «فاينانشال تايمز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"