تخفيض أصول السندات الأمريكية

22:25 مساء
قراءة 4 دقائق

دان وانج*

لوحظ في الآونة الأخيرة وجود تغيير جوهري ملموس متمثل في انخفاض حيازات العديد من البنوك المركزية من سندات الخزانة الأمريكية. وعلى رأس تلك الدول خفّض أكبر كيانين حائزين للسندات في الولايات المتحدة، وهما اليابان والصين، حيازاتهما لمدة ثلاثة وستة أشهر. حيث انخفضت حيازات اليابان إلى 1.212 تريليون دولار، وهو أدنى مستوى منذ يناير/كانون الثاني 2020. كما انخفضت حيازات الصين إلى 980.8 مليار دولار، في أدنى مستوى أيضاً منذ 2010. هذا إلى جانب ما لا يقل عن 19 حكومة أخرى، بما في ذلك حكومتا البرازيل وفيتنام، اللتان باعتا حصة كبيرة من سندات الخزانة الأمريكية.

بشكل عام، تراجعت الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة إلى 7.421 تريليون دولار في مايو/أيار، من 7.455 تريليون دولار في إبريل/نيسان. وهو أدنى مستوى منذ مايو 2021. فما هو السبب وراء هذه التحركات الجديدة في السياسة المالية العالمية؟

هناك ثلاثة عوامل رئيسية تلعب دوراً مهماً هنا. السبب المباشر الأول هو توقع قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة من جديد، فالمعدلات الأعلى تعني انخفاض أسعار السندات. لذلك، من الأفضل لأصحاب المقتنيات النفيسة من السندات تفريغ بعض الحمولة عندما تكون الأسعار مرتفعة.

والسبب الثاني هو تعزيز قيمة العملة. فقد ارتفع الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في مارس/آذار. ومن المتوقع أن يستمر الاتجاه، ما يمثل ضغطاً هبوطياً هائلاً على العملات الأخرى. كما أن انخفاض قيمة العملة المحلية يفيد الصادرات ولكنه يضر بالواردات في نفس الوقت. والآن بعد أن وصلت أسعار الطاقة والمواد الغذائية والمواد الخام إلى مستويات تاريخية عالية بسبب الصراع بين أوكرانيا وروسيا، تتعرض البلدان في أوروبا وآسيا لضغوط هائلة لضمان وارداتها، وبالتالي تستطيع الاقتراب من سعر الصرف الذي تريده عن طريق شراء وبيع الدولار.

أما السبب الثالث فهو جهود الدول للتنويع من الأصول المقومة بالدولار. وإسرائيل هي أحد الأمثلة على دولة خفضت حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية وزادت في المقابل أصولها باليوان الصيني والدولار الكندي والدولار الأسترالي والين الياباني.

في الواقع، تمت إعادة تخصيص رأس المال الصادر من سوق السندات الأمريكية إلى أسواق أخرى. وأصبحت الصين وجهة ناشئة لتدفق رأس المال، حيث يمكن للمستثمرين الأجانب شراء وبيع الأسهم والسندات بسهولة أكبر في أسواق البر الرئيسي الصيني. إلى جانب ذلك، تم إدراج السندات الحكومية الصينية وملكية الأسهم في جميع المعايير العالمية الرئيسية، بما في ذلك مؤشرات الأسهم في «مورجان ستانلي كابيتال إنترناشونال»، ومؤشر سندات «بلومبيرج باركليز»، وبالتالي سيزيد المستثمرون المؤسساتيون الذين يتتبعون هذه المؤشرات تلقائياً من حيازاتهم من الأصول المقوّمة باليوان.

فما تأثير هذه التطورات على الواجهة المالية العالمية؟ على الرغم من البيع الأخير لسندات الخزانة الأمريكية، لا يزال الدولار مهيمناً ولم يتم تحدي نفوذه بشكل أساسي، ولا تزال الولايات المتحدة منبع العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، والتي تجعل سندات الخزانة أصولاً آمنة، لا سيما في أوقات عدم الاستقرار الشبيهة بما نمر به اليوم.

في الوقت ذاته، لا تزال الرغبة في الحصول على سندات الخزانة الأمريكية واضحة في تحركات السوق الأخيرة. وفي الوقت الذي تنشغل فيه الحكومات ببيع السندات الحكومية الأمريكية، ينشغل المستثمرون الأفراد بالشراء. ففي مايو، وبينما باعت الحكومات في جميع أنحاء العالم ما قيمته 34 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية، اشترى الأفراد سندات بقيمة 134 مليار دولار. ورأينا اندفاع المستثمرين من جميع أنحاء العالم إلى الأصول الآمنة، ومعظمها من سندات الخزانة الأمريكية، بسبب استمرار ارتفاع التضخم وتقلب أسواق الأسهم. وقد أدى الاقتراب شيئاً فشيئاً من بر الأمان إلى زيادة المعروض الجديد من سندات الخزانة الحكومية.

ومع ذلك، يشير الانخفاض في حيازات العديد من البلدان من السندات الحكومية الأمريكية إلى حدوث تحول في عقلية العديد من البنوك المركزية. إذ تفرض الولايات المتحدة بشكل متزايد عقوبات مالية على دول أخرى، مثل روسيا وإيران، تسوية للخلافات بينها، ما يجعل أي دولة لديها نزاع مع الولايات المتحدة عرضة للخطر.

أضف إلى حالة أخرى من عدم اليقين بسبب الانتخابات الأمريكية، والتعافي المتعثر بعد الوباء، لإدراك التحديات التي تنتظر البلدان في جميع أنحاء العالم. وبالتالي ليس من المستغرب أن الحكومات تريد التنويع بعيداً عن احتياطيات الدولار، ولو جزئياً على الأقل.

ورداً على العقوبات الأوروبية ضدها، ومن أجل الالتفاف على القرارات الأمريكية، فرضت روسيا على الدول الأوروبية نظام الدفع بالروبل مقابل شراء الغاز الروسي.

في الواقع، سيواجه الدولار مزيداً من المنافسة في المستقبل، ليس فقط من العملات التقليدية الأخرى، ولكن أيضاً من العملات المشفرة. فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال، خفّضت حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 40 في المئة منذ أوائل عام 2020، وجربت تسوية بعض المعاملات الدولية باستخدام العملات المشفرة.

في النهاية، يحدد تفوق العملة المحلية النفوذ الاقتصادي لأي دولة وقدرتها على الابتكار المالي، ولا يمكن اعتبار الولايات المتحدة محتكرة في هذا الصدد.

 * كبير الاقتصاديين في بنك «هانج سينج» الصين - عن «تشاينا ديلي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كبير الاقتصاديين في بنك «هانج سينج» الصين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"