لبنان بين الفشل والنهوض

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تضيف أزمة الحكم التي يعيشها لبنان وعزوف السياسيين عن تشكيل حكومة جديدة، أياً كانت الأسباب التي يختبئون خلفها، عبئاً آخر كارثياً على كاهل اللبنانيين الذين أثقلتهم سلسلة الكوارث والأزمات المركبة والمتفاقمة سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، إلى الحد الذي يضع لبنان أمام خيارين، إما التحول إلى دولة فاشلة أو النهوض مهما كانت العوائق والصعوبات.

 هذا يعتمد بالطبع على سلوك الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة، وما إذا كانت لديها الرغبة والإرادة في التخلي عن المناكفات السياسية والأدوار الطائفية الضيقة لصالح الوطن الذي يتسع للجميع، لكنه يغرق ويغرق معه الجميع أيضاً حكام ومحكومين. من السهل تحميل كل طرف المسؤولية عن عدم تشكيل حكومة جديدة للطرف الآخر، والظهور بمظهر عدم المبالاة إزاء بقاء حكومة تصريف أعمال لا تستطيع اتخاذ قرارات مفصلية أو تنفيذ الإصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي، واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد وغير ذلك، حتى لو وصل الأمر إلى موعد الاستحقاق الرئاسي في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ودخول البلاد في حالة فراغ دستوري، أي دخول البلاد في حالة من الفوضى لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها. 

 كل ذلك يحدث بذريعة النظام السياسي والمحاصصة الطائفية، وكأن التمسك بحقيبة وزارية هنا أو التخلي عن منصب هناك ينقذ طائفة بعينها بينما الحقيقة أن الجميع في مركب واحد فإما أن يغرق اللبنانيون معاً وإما أن ينهضوا معاً لمواجهة كل الكوارث التي تتهددهم. ولكن ماذا لو كان لبنان بحاجة إلى إعلان حالة طوارئ حقيقية لا تحتمل التأخير، وهو فعلاً كذلك، فهل تعفي اللامبالاة والكيدية السياسية المسؤولين على اختلاف مشاربهم من مسؤولية الانهيار الأخير الذي قد يحول لبنان إلى دولة فاشلة على غرار سريلانكا مثلاً. والأخطر من ذلك، هل يمكن السماح للبنان بأن يتفكك وفق تقرير هو الأحدث لمعهد التمويل الدولي. هذا التقرير يقرع ناقوس الخطر واضعاً لبنان أمام سيناريوهين متضادين، أحدهما «متشائم»؛ حيث تتمحور الافتراضات حول عدم قيام الحكومة بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، ما سيلغي الاتفاق مع صندوق النقد، وخسارة المساعدات ويتسبب بارتفاع نسبة الدين إلى ما يفوق 200 في المئة من الناتج المحلي. وبالتالي سيتم تصنيف لبنان دولة فاشلة. وفي هذه الحالة سيكون خطر تفكك لبنان مرتفعاً جداً، بينما، في المقابل، يفترض السيناريو «المتفائل» تطبيق الإصلاحات و«تحرير» المساعدات المالية، وبالتالي نمو الناتج المحلي الإجمالي. 

 هذا يعني أن تطبيق الإصلاحات الأساسية، وفق التقرير، بما في ذلك قانون السرية المصرفية المعدل، و«الكابتال كونترول»، واستكمال التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، وتوحيد أسعار الصرف، وإقرار مشروع موازنة عام 2022 لاستعادة الاستدامة المالية، كلها عوامل ضرورية لوقف الانهيار الانحداري واستعادة الثقة على الصعيدين المحلي والدولي، ما يستدعي تشكيل حكومة أصيلة قادرة على اتخاذ القرارات وإعادة النهوض بالاقتصاد ووضع لبنان على طريق التعافي الحقيقي بمعزل عن أية كيدية سياسية، غير أن كل ذلك يبقى رهن سلوك القادة السياسيين وخياراتهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"