عادي

عذب الكلام

22:57 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

كثيرةٌ هي اقتباساتُ الشُّعراءِ بعضِهم من بَعْض، وقد يكون الشّاعران من مرحلةٍ واحدةٍ، فلا يُعرفُ مَن السّابق في الابتكار؛ كقول امرئ القيس:

وقالَت مَتى يُبخَلْ عَلَيكَ وَيُعتَلَل

يَسُؤكَ وَإِن يُكشَف غَرامُكَ تَدرُبِ

وهذا يشاكل قولَ طرفة بن العبد:

أجدّك إن ضنَّتْ عليك بودها

جَزِعْت وإنْ يُكشَفْ غَرامُك تدْربِ

ولا يمكن القضاء بينهما، لأنّ عمراً واحداً جمعهما.

وقال الحطيئة:

نَدِمتُ نَدامةَ الكُسَعيّ لمَّا

شَرِبْتُ وصابَني سَهْمُ بنِ عَمْرِو

وهذا مأخوذ من قول عَديّ بن أوس:

نَدِمْتُ نَدامَةَ الكُسَعيّ لمَّا

رأتْ عَيْناهُ ما فَعَلتْ يَداهُ

وقد أخذه الفرزدق وقال:

نَدِمْتُ نَدامةَ الكُسَعيّ لمَّا

غَدَتْ منِّي مُطلَّقةً نُوارُ

دُرر النّظم والنّثر

لعلقمةَ بنِ عَبَدَة الملقّب بالفحل

(من الطويل)

طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ

بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حانَ مَشِيبُ

يُكَلِّفُنِي لَيْلَى وقَدْ شَطَّ وَلْيُها

وعادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنا وخُطُوبُ

مُنَعَّمَةٌ ما يُسْتَطَاعُ كِلاَمُها

علَى بَابِها مِنْ أَنْ تُزَارَ رَقيبُ

إذا غابَ عَنْها البَعْلُ لَمْ تُفْشِ سِرَّهُ

وتُرْضِي إِيابَ البَعْلِ حينَ يَؤُوبُ

فَلا تَعْدِلي بَيْني وبَيْنَ مُغَمَّرٍ

سَقَتْكِ رَوايَا المُزْنِ حينَ تَصُوبُ

سَقاكِ يَمَانٍ ذُو حَبيٍّ وعارِضٍ

تَرُوحُ بهِ جُنْحَ العَشِيِّ جَنُوبُ

فإِنْ تَسْأَلونِي بِالنِّساءِ فإِنَّني

بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّساءِ طَبِيبُ

إِذَا شابَ رَأْسُ المَرْءِ أَوْ قَلَّ مالُهُ

فليْسَ لهُ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَهُ

وشَرْخُ الشَّبابِ عِندهُنَّ عَجِيبُ

فَدَعْها وسَلِّ الهَمَّ عنكَ بِجَسْرَةٍ

كَهَمِّكَ، فيها بالرِّدَافِ خَبِيبُ

(طحا بك: اتّسع. والكِلام: المُكالمة. والمُغمّر: القليل الخبرة).

من أسرار العربية

ثمّة ظواهر أو أسماء، تأخذُ صفاتٍ معيّنةً، فتلزمُها، وتصبحُ صياغةُ أسلوبِ التفضيل، بناء عليها، فتغدو أشبه بالأمثال، وهي كثيرة، أختار منها:

أبقى مِنَ الدَّهر، أنفَعُ مِنَ الغَيْث، أدَقُّ مِنَ الكُحْل، أكْتَمُ مِنَ الأَرْض، أجْرَدُ منْ صَخْرة، أبْعَدُ مِنَ النَّجْم، أذَلُّ مِنَ النَّعْل، أخَفُّ مِنَ النَّسيمِ، أشْرَبُ مِنَ الرَّمْلِ، أمَرُّ مِنَ العَلْقَم، أرَقُّ مِنَ النَّسيمِ، أمْضى مِنَ الرِّيح، وأمْضى مِنَ السَّهم، أسْرعُ مِنَ البَرْق، أضَرُّ مِنَ الحُمْقِ، أوْهَنُ مِنْ بَيْتِ العَنْكبوتِ، ألْزمُ مِنْ زُرٍّ لِعُروَةِ، أوْحَشُ مِنْ زَوالِ النِّعَمِ، أبْغَضُ مِنْ كَشْفِ الأسْرار، أقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الوَريد، أشْهرُ مِنْ نارٍ على عَلَمِ،أسْرعُ مِنْ لَمْحِ البَصَر، أحْمقُ مِنَ القابِضِ على الماء، أطْيَبُ مِنْ نَفَسِ الرَّبيع.

هفوة وتصويب

يقول بعضهم: «تَجارُب الحياة تعلّم الإنسانَ» (بضم راء تجارب)، والصَّوابُ: كَسرُها، وكَسْرُ راء: «تجْرِبة» أيضاً، لأنّ التَّجارُب: انتقالُ الجَرَبِ. ويُقولون: «نحنُ متواجدون في المنزل»، والصواب: مَوجودون، لأن التّواجُد من الوَجْد، وهو ما يَجِدُهُ المَرْءُ في قلبِهِ منْ حُبّ أوغَضب؛ نقول وَجَدَ بفلانةٍ أي أحبَّها، ووَجَدَ على فلانٍ، أي غَضِب، وقالت شاعرة:

مَنْ يُهْدِ لي مِن ماءٍ بَقْعاءَ شَرْبةً

فإِنَّ له مِنْ ماءِ لِينةَ أَرْبعَا

لقد زادَني وَجْداً بِبَقْعاءَ أَنَّني

وَجَدْتُ مَطايانا بِلِينةَ ظُلَّعا

وكذلك الوُجْدُ والوَجْدُ والوِجْدُ: اليسار والسَّعةُ.

من حكم العرب

على قَدْرِ أَهلِ العَزْمِ تَأتي العَزائِمُ

وتَأتي عَلى قَدْرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وتَعْظُمُ في عَيْنِ الصَغيرِ صِغارُها

وتَصْغُرُ في عَيْنِ العَظيمِ العَظائِمُ

البَيْتان لأبي الطيّب المتنبّي، يؤكّد فيهما أنّ الأفعال الجيّدة النافعة، تأتي من أهل العزائم الصّادقة، والنيّات الطيّبة. ومن يصمّمون على فعل الخير وفائدة النّاس، تكون هممهم عالية، وأصحابَ مَكرُمات، وهذا ما يتوجّب على كلّ إنسان فعله. 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s45bfdd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"