هل تتجاوز أوروبا أزمة الطاقة؟

20:53 مساء
قراءة 4 دقائق

أنجيلي كديتيان *
تعاني أوروبا كلها، وليس الاتحاد الأوروبي فقط، عواقب الارتفاع الشديد في أسعار الطاقة، وخاصة أسعار الغاز والكهرباء، وانقطاع إمدادات الغاز الروسي إليها. ومع توجه منطقة اليورو نحو ركود اقتصادي، يتعرض الناس والشركات في كامل القارة لصدمات أكبر.

وأقر جميع قادة الاتحاد الأوروبي بالوضع الصعب للغاية الذي تمر به أوروبا الآن، ووفقاً ل «أكسفورد إكونوميكس»، فإن بعض المشكلات الاقتصادية، وخاصة التضخم، هي نتاج تفشي جائحة كورونا، وما رافقها من سيولة ضخمة من البنوك المركزية للتعامل مع العواقب الاقتصادية للوباء.

ومع ذلك، جاءت أكبر ضربة اقتصادية للاتحاد الأوروبي حتى الآن من الصراع الناشب بين روسيا وأوكرانيا، لكونه صرف انتباه الكتلة الأوروبية عن تنفيذ سياسات اقتصادية مناسبة لامتصاص صدمة التضخم. في المقابل، اتبعت الصين نهجاً مغايراً لتحقيق توازن أفضل بين المقتضيات الاقتصادية والسيطرة على الوباء. ونتيجة لذلك، من المرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5% إلى 6% في عام 2023.

مؤخراً، حذر رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو من أن فصول الشتاء الخمسة إلى العشرة القادمة ستكون صعبة على القارة العجوز، حيث وصلت أسعار الوقود وفواتير الكهرباء إلى مستويات قياسية. والأسوأ من ذلك أن أزمة الطاقة غذّت أزمة السيولة التي بدورها أدت إلى حالات الإفلاس. وكما قال وزير الشؤون الاقتصادية الفنلندي ميكا لينتيلا، فإن أزمة السيولة المتكشفة تمتلك إلى حد كبير مقومات انهيار بنك «ليمان براذرز» الاستثماري عام 2008، ولكن في قطاع الطاقة.

وبحسب موقع «يورآكتيف»، تعرضت شركات الطاقة الأوروبية لضغوط بسبب «طلبات الهامش»، أو الحاجة إلى رأس المال لتأمين تجارة الطاقة، بما لا يقل عن 1.5 تريليون دولار. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أصبحت «OTIMA»، وهي منشأة متوسطة الحجم مقرها بالقرب من برلين، أول مورد ألماني للطاقة والغاز يقدم طلباً للإفلاس بعد ارتفاع أسعار الكهرباء. وفي النمسا، طلبت شركة «Wien Energie»، وهي أكبر منشأة طاقة في البلاد، من الحكومة دعماً يناهز ال 6 مليارات يورو. يأتي هذا بعد إمداد شركة «Uniper» الألمانية للطاقة ب 15 مليار يورو في أواخر يوليو/تموز الفائت.

ستتأثر ألمانيا بشكل خاص جرّاء اعتمادها على الغاز الروسي. وقد تضطر الصناعات الكيماوية والتعدين تحديداً، إضافة إلى منتجي الأسمدة وبعض القطاعات الأخرى في ألمانيا، إلى تعليق الإنتاج لبضعة أشهر، ما قد يدفع أكبر اقتصاد أوروبي نحو الركود، ويهوي بالناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة تصل إلى 7%، وهو أمر لم يشهده الاقتصاد الألماني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

كل ذلك سيطال بلا شك نجاح المشروع الأوروبي ككل، وبالنتيجة، ستشتد الحاجة إلى جهود سياسية واقتصادية هائلة للحفاظ على الاتحاد «متحداً»، وضمان استمرار عمله من أجل الصالح العام. لكن وفقاً لبعض المحللين، بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي في لعب أدوار جيوسياسية فردية للحصول على أكبر قدر ممكن من الفوائد الذاتية على حساب دول أخرى. فعلى سبيل المثال، طالبت بولندا جارتها ألمانيا بدفع المليارات كتعويض إضافي عن الفظائع التي ارتكبتها القوات النازية في الحرب العالمية الثانية.

وعلى هذا النحو، يمكن أن يتحول ميزان القوة في الاتحاد الأوروبي إلى فرنسا، لأنه مع امتلاكها صناعة الطاقة النووية، فهي في وضع يُمكّنها من ضمان إمداد ألمانيا بالكهرباء. ولكن للحصول على اليورانيوم اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية، يتعين على فرنسا الاعتماد على روسيا وكازاخستان، وحتى الصين.

اليوم، بسبب التضخم المرتفع، يشعر أكثر من 70% من سكان أوروبا بتأثير الانكماش الاقتصادي، حتى أن بعض الأسر لا تملك ثمن الطعام. لذلك ليس ببعيد لجوء هؤلاء إلى التظاهرات الشعبية للتنديد بالواقع والمطالبة باستقالة حكوماتهم، الأمر الذي قد يغير المشهد السياسي في أوروبا قبل انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، وربما يزيد من هجمات التطرف والإرهاب نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي.

فما الذي يجب فعله الآن؟ السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، كما هي الحال في عدد من القضايا الحرجة الأخرى، هو أن يزيد الاتحاد الأوروبي من تكامل احتياجات الدول الأوروبية والسعي وراء مصالحها. ولحسن الحظ، يرى عدد أقل وأقل من الأوروبيين والحكومات والمؤسسات أن سياسة الولايات المتحدة هي الأفضل من سياسة الاتحاد الأوروبي.

لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي، كما كان من قبل، تحديد أولوياته السياسية الخاصة، وتخصيص المزيد من الأموال والوقت لبناء «الاتحاد السياسي الأوروبي» وتدعيم الجيش، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووضع قواعد الاتحاد الخاصة بحقوق الإنسان، وتحديد معاييره من أجل الديمقراطية.

وللحد من احتماليات تدمير المشروع الأوروبي والقيم الأوروبية، يجب منع الولايات المتحدة من إملاء شروطها على الدول الأوروبية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعقوبات. وبالنظر إلى فتور الود بين القارة الأوروبية واتحادها وإدارة جو بايدن، يجب على الأخير السعي إلى تعاون متوازن وبنّاء أكثر مع الصين والهند ودول آسيوية أخرى، لتسهيل تنميته المستدامة، وبأن يتذكر بأن مهمته التاريخية متمثلة في إقامة سلام دائم في أوروبا ومنع أي تضارب في الأيديولوجية. كما يجب أن تدرك الكتلة أن جميع الأنظمة الاقتصادية والسياسية في إطار ميثاق الأمم المتحدة لها الحق في الازدهار والتقدم.

* مستشارة وباحثة ومسؤولة سابقة في المفوضية الأوروبية (تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ynfjs98r

عن الكاتب

مستشارة وباحثة ومسؤولة سابقة في المفوضية الأوروبية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"