مالتوس وانفجار السكان

20:55 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

عام 1798 نشر «مالتوس» أول عمل له: «مقالة حول مبدأ السكان»، حيث إنه يؤثر في التطورات المستقبلية للمجتمع ثم وضع جدوله الشهير بالمقارنة بين معدلات النمو الهندسي ومعدلات النمو الحسابي. وعرف «مالتوس» فيما بعد على أنه «أب علم الديموغرافيا». ولم يفقد «مالتوس» احتقاره قط لهؤلاء الذين اعتقدوا أن الأحوال الاجتماعية يمكن أن تتحسن.

وصل «دافيد ريكاردو» إلى هذا الموضوع تقريباً في نفس الوقت، ولكن من زاوية مختلفة، من ناحية السياسات المصرفية والحرب المالية. وفي عام 1798. وهو العام الذي أصدر فيه «مالتوس» مقالته استعار «ريكاردو» نسخة من كتاب «ثروة الأمم» لآدم سميث، وقام بقراءته بشغف كبير، وهنا أصبح على اقتناع تام بأن حالة التفاؤل التي عاش فيها سميث ستثبت عدم صحتها.

في الوقت الذي ركز فيه «مالتوس» بشكل أساسي على الانفجار السكاني، ركز «ريكاردو» على جانب مختلف من الصراع، حيث نتيجة لمراقبة «ريكاردو» لحقول الحبوب وهي تتسلق التلال، قرر أن المشكلة الرئيسية تكمن في حالة الصراع الدائم بين الطبقات الاقتصادية الثلاث التي عرفها آدم سميث كالآتي: الأرض والعمل ورأس المال. فقد رأى «ريكاردو» أن المزارعين لن يصبحوا أثرياء، حيث إن الأراضي الأسوأ هي التي كان يتم استصلاحها، فهم سيقومون بدفع كامل ربحها للعمال. والعمال بدورهم سيقومون بإنفاق كامل أجورهم للحصول على الغذاء. إذن ملاك الأرض وحدهم هم الذين سيصبحون أثرياء وفي النهاية سيصل المجتمع إلى الركود.

كتب «ريكاردو» بعد ذلك مباشرة أول سلسلة من الخطابات إلى إحدى الصحف دارت حول أسباب حدوث التضخم في أوقات الحرب. وقام «جيمس ميل» بتقديم «ريكاردو» إلى «مالتوس»، وأصبح الرجلان عضوين في جماعة تلتقي بطريقة دورية في لندن للحديث حول المسائل الاقتصادية.

كان ريكاردو ومالتوس قد اكتشفا مبدأ تناقص العوائد. الذي تدور فكرته حول أنه بعد نقطة معينة، تؤدي أي زيادة لاحقة في الجهد إلى ناتج نهائي أقل. فالبرميل الأول من المخصبات الزراعية يفعل الكثير، ولكن البرميل العاشر يؤدي إلى إحراق المحصول. ويمكن تطبيق نفس المبدأ في ما يتعلق بإلقاء البذور أو الري أو الوقت الذي تم إمضاؤه في قطع الأعشاب الضارة. فلا بد من الوصول إلى نقطة معينة يصبح بعدها من غير المجدي إضافة ساعة إضافية إلى يوم العمل. أو إضافة عامل إلى الحقل، أو إضافة صف من الحبوب أو أداة جديدة أو إضافة جرعة جديدة من الأغذية النباتية. لا بد هنا من تذكر أن الزراعة والتعدين كانا يمثلان النشاطين الاقتصاديين الأساسيين في تلك الفترة. وكانت البصيرة عظيمة، وكان الدافع للعمل على تطبيقها بطريقة شاملة أكثر عظمة، وكانت الفكرة ذات قبول بديهي عظيم. حيث أعتقد الرجلان مالتوس وريكاردو أن الجنس البشري دائماً ما سيحاول الصعود لأعلى من الحدود المتاحة لزراعة الغذاء من وجهة نظر «مالتوس»، وسوف تنفذ الأراضي المتاحة لزراعة الغذاء من وجهة نظر «ريكاردو».

وبالنسبة للاثنين كانت هناك حالة من الميل المركزي للانزلاق إلى الفقر في التاريخ البشري، وذلك بالنسبة للغالبية العظمى من الجنس البشري حيث إنه لا مفر من هذا المصير.

كان «ريكاردو» على دراية جيدة بوجود طبقة جديدة وصاعدة من الصناعيين الرأسماليين. فقد أدرك «ريكاردو» أن هؤلاء الصناعيين كانوا يتصارعون من أجل الحصول على مكان بين أصحاب الأرض والعمال. ولكنه أصبح مقتنعاً أن التصنيع ما هو إلا ظاهرة قصيرة الأمد وسوف تنتهي بسرعة. فمعدل الربحية في قطاع الصناعات التحويلية سوف يسير على نفس مسار معدل الربحية في الزراعة. وأن هناك من يرغب في الاستثمار في منتجات ليس لها سوق، وسوف يتوقف التراكم. في هذا الوضع، الذي وصل فيه الإنتاج الزراعي إلى أقصاه وأصبح التطور الاقتصادي على وشك التوقف. سيتم الوصول إلى ما يعرف بالحالة الثابتة، وفي ما يتعلق بريكاردو يمكن العمل على تأجيل الوصول إلى تلك الحالة، ولكن لا يمكن تفاديها بشكل تام.

وبحلول عام 1813 بدأ «مالتوس وريكاردو» في كتابة الخطابات ذهاباً وإياباً والتي قاما فيها بإثارة الجدل حول آثار فرض تعريفات جمركية على الحبوب المستوردة لحماية أرباح المزارعين الإنجليز.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p82hpw7

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"