عودة شلل الأطفال إلى باكستان

13:39 مساء
قراءة 5 دقائق

في وقت مبكر من هذا العام، ضربت مأساة حملة استئصال مرض شلل الأطفال في باكستان مرة أخرى، بمقتل اثنين آخرين من العاملين في الحملة ورجل شرطة في دورية مع فريق التطعيم .

وتأتي أحدث جرائم القتل في باكستان سابقة لمقتل تسعة من العاملين في مجال مكافحة شلل الأطفال في نيجيريا، وتالية لذبح تسعة آخرين من العاملين في مجال الصحة العامة في باكستان في ديسمبر/كانون الأول، وقتل عاملون في مجال التنمية في إطار جهود تحسين الصحة العامة في اليوم الأول من العام الجديد .

إن الاستهداف المستمر لهؤلاء العاملون الشجعان يفرض تحدياً خطراً على دوائر الصحة العامة في مثل هذه البلدان، وعلى الطموح الجماعي للوصول إلى كل طفل باللقاحات المنقذة للأرواح .

والمفارقة بالنسبة لباكستان هي أن البلاد كانت ناجحة للغاية في القضاء على مرض شلل الأطفال، مع انخفاض عدد الحالات من 197 في عام 2011 إلى 58 حالة في عام 2012 . وعلى الرغم من التحديات الأخيرة، فقد أعادت باكستان العاملين في مجال تسليم اللقاحات إلى العمل في 28 مقاطعة، حيث يوجد 12 مليون طفل لا بد من الوصول إليهم . ولقد انعكس الدعم العام الواسع النطاق لجهود القضاء على شلل الأطفال في قرار برلماني . كما بادر مجلس العلماء، الذي يتألف من مجموعة من رجال الدين البارزين، إلى تقديم الدعم أيضاً .

والواقع أن أحدث تقرير صادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 عن مجلس المراقبة المستقل للمبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، يُقِر بالتقدم الذي حققته باكستان في الآونة الأخيرة، في تناقض صارخ مع التوقعات القاتمة في تقريرها السابق .

لكن من الأهمية بمكان ألا تعمل الانتخابات القادمة في البلاد على تعريض المكاسب الأخيرة للخطر، وخاصة خلال موسم انخفاض معدل انتقال المرض حالياً، والذي يشكل أفضل فرصة لوقف انتشار المرض جذرياً . ويتعين على كل التيارات السياسية أن تظل ملتزمة بالحملة إن كان لها أن تنجح .

والواقع أنه على الرغم من التقدم في عام ،2012 فإننا لم نتمكن من منع انتشار فيروس شلل الأطفال بشكل كامل في باكستان، نظراً للعقبات التي تؤثر في تنفيذ البرنامج وإدارته في المقام الأول . ولا بد من التصدي لهذه التحديات من خلال الإدارة القوية على كل المستويات، وخاصة في ضوء تآكل سلطة الدولة إلى حد خطير في ربع البلاد تقريباً، حيث تسببت عوامل معقدة في خلق حالة من عدم الثقة باسم العرق، والسياسة، والدين، الأمر الذي أسفر عن انهيار خطير للقانون والنظام . وعلاوة على ذلك، صدمت باكستان مجتمع الصحة العامة العالمي في العام الماضي عندما تبنت تعديلاً دستورياً أدى إلى إلغاء وزارة الصحة الوطنية . ومن المؤسف أن الانتقال المفاجئ لمسؤوليات الصحة إلى محافظات البلاد حدث من دون استعدادات كافية أو إشراف .

وفي الوقت نفسه، فإن تراجع نظام الحكومات المحلية، المتزامن مع السياسات المثيرة للانقسام التي تنتهجها الحكومات الائتلافية في ظل الديمقراطية الهشة في باكستان، يستمر في تقويض الجهود الرامية إلى تنفيذ برنامج استئصال شلل الأطفال . ولقد تجلت أوجه القصور التي تعيب الأنظمة الصحية الإقليمية في البلاد، ليس فقط في عدم القدرة على استئصال شلل الأطفال، بل أيضاً في تفشي مرض الحصبة مؤخراً، والذي قتل أكثر من ثلاثمئة طفل . ومن ناحية أخرى، تخلف الصعوبات التي تواجهها الحكومات المحلية تأثيراً سلبياً في جهود توفير المياه النظيفة والمرافق الصحية اللائقة، التي تشكل أهمية بالغة في دعم جهود استئصال شلل الأطفال والصحة العامة على نطاق أوسع . كما كانت هناك حالات رفض من جانب الآباء لتطعيم أطفالهم، في استجابة لتوصية من رجال الدين عادة، نظراً لاعتقاد مفاده أن جهود الصحة العامة هذه هي في واقع الأمر برامج سرية تسبب العقم .

والواقع أن رفض التطعيم سبب لعدم وصوله إلى 2% من الأطفال الذي لا يصل إليهم . وكانت حملة التشويه الأخيرة التي استهدفت التشكيك في سمعة التطعيم ضد شلل الأطفال، والتي شارك فيها العديد من نواب البرلمان، سبباً في تعقيد الأمور .

ولكن برغم الصعوبات الواضحة، فإن توقف حملات التطعيم ليس خياراً وارداً . فمن الثابت أن عدد الحالات يرتفع بشكل كبير عندما تتعرض جهود التطعيم للعرقلة، كما تبين في نيجيريا عام ،2003 حيث أدى التأخير لمدة عشرة أشهر إلى انتقال العدوى إلى الآلاف من الناس على المستوى المحلي، وعودة الإصابة إلى أكثر من عشرين دولة أخرى .

كما لوحظت نتائج مماثلة في وادي سوات في باكستان بعد أن أصبح الوصول إلى المنطقة مستحيلاً لعدة أشهر بسبب سيطرة المتشددين عليه عام 2009 . وكان القرار الصادر هذا الشهر بوقف التطعيم في كراتشي بعد تهديد العاملين في مجال الصحة هناك، ولو أنه مفهوم، سبباً للانزعاج الشديد في هذا الصدد . وكما هو الحال في نيجيريا، فإن تأخير التطعيم سوف يلحق ضرراً كبيراً بالدول المجاورة . ذلك لأن التجمعات السكانية من الرُّحّل تنتقل بحرية عبر الحدود الباكستانية الأفغانية التي يسهل اختراقها . وفي عام ،2011 كان منشأ تفشي مرض شلل الأطفال في الصين راجعاً إلى باكستان .

والواقع أن الهند، التي أصبحت خالية من شلل الأطفال طيلة العامين الماضيين، وتدرك تمام الإدراك أن دوام النجاح في الداخل يعتمد على جهود الاستئصال في أماكن أخرى .

وتتجاوز المخاطر الدولية المحتملة حدود دول الجوار المباشر . فقد كانت باكستان مسؤولة بالفعل عن ظهور فيروس شلل الأطفال بقوة في مصر مؤخراً، ومن حسن الحظ أنه لا يوجد أي دليل على الانتقال، ولكننا قد لا نكون محظوظين بنفس القدر في المستقبل .

والواقع أن خطر انتقال المرض عبر الحجاج الباكستانيين في موسم الحج عام ،2013 وهو أضخم تجمع سنوي للمسلمين، ليس مجرد تهديد نظري . وأسوأ السيناريوهات في هذه الحالة قد يعني انتكاس جهود مكافحة شلل الأطفال لعقود من الزمان .

ولا ينبغي لنا أن نستخف بحجم التحدي، وبالتالي بالاستجابة المتعددة الأوجه المطلوبة . فقد أصبح شلل الأطفال اليوم مثالاً للمشكلات المعقدة التي ابتليت بها دولة باكستان ومجتمعها . ويتعين على باكستان أن تضاعف جهودها الرامية إلى استئصال شلل الأطفال لأسباب تتجاوز الوفاء بوعد الصحة العالمية (وهو سبب كاف في حد ذاته) .

وقد يكون النجاح في هذه المهمة بمثابة الإشارة إلى قدرة باكستان على قهر التحديات المعقدة، وسوف يوفر نجاحها خطة أولية للمزيد من تدخلات التنمية .

وباستئصال شلل الأطفال فإن باكستان لن تلعب الدور المنوط بها في القضاء على المرض على مستوى العالم فحسب، بل إنها سوف تستعيد أيضاً هيبتها العالمية وإمكانية إحراز التقدم في مجالات أخرى .

سانيا نشتار

مؤسسة ورئيسة بيت الخبرة غير الحكومي هارتفايل"

* ينشر بترتيب خاص مع "بروجيكت سينديكيت"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"