الكوريتان واختبار القوة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ليس صدفة أن يرتفع منسوب التوتر في شبه الجزيرة الكورية إلى مستواه الأعلى هذا العام على نحو بات يهدد بانفجار الأوضاع بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، اللتين تعيشان على صفيح ساخن منذ سنوات طويلة.

فما يحدث بين الكوريتين ليس فقط مجرد امتداد للصراع التاريخي بينهما الذي نشأ عن الحرب الكورية عام 1953 والتي كرست انقسام كوريا إلى دولتين متناحرتين بنظامين مختلفين يتموضع كل منهما في معسكرين متضادين في الساحة الدولية، ضمن الصراع التقليدي بين الشرق والغرب، وإنما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع الدائر راهناً في الساحة الدولية.

صحيح أن بيونغ يانغ ظلت على الدوام تطمح إلى إعادة توحيد شطري كوريا، إما سلماً أو عن طريق القوة، ولهذا سعت إلى امتلاك السلاح النووي وتكريس نفسها دولة نووية، ولو على حساب تطورها في مجالات الاقتصاد والتنمية ورفاهية شعبها الذي يعاني من أوضاع حياتية ومعيشية صعبة على عكس كوريا الجنوبية، لكنها تدرك أيضاً أن اصطفاف كوريا الجنوبية ضمن المعسكر الغربي لا يوفر لها الحماية الدائمة، في ظل وجود قواعد عسكرية وأساطيل بحرية أمريكية على أراضيها وفي مياهها الإقليمية. وبالتالي فإن هناك حساسية شديدة تجاه أي احتكاك بينهما تقتضي الحذر واليقظة الدائمة، وعدم السماح بأي خطأ في الحسابات قد يقلب الأوضاع رأساً على عقب، ويؤدي إلى اشتعال حرب ضروس لا تبقي ولا تذر.

ومع ذلك، فاللافت أن التصعيد غير المسبوق، خلال الأشهر الأخيرة، يتعدى حدود الصراع التقليدي بين الكوريتين، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوترات العالمية من الحرب في أوكرانيا والتوتر بين روسيا والغرب إلى التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، ومحاولات السيطرة على بحر الصين الجنوبي وتداعياتها على جنوب شرقي آسيا وحتى على الساحة الدولية، ناهيك عن احتدام التنافس حول النظام العالمي الجديد الآخذ في التشكل وما يمكن أن يحتويه من اصطفافات.

وعلى هذه الخلفية، تبدو التجارب الصاروخية الكورية الشمالية بمختلف أشكالها وأنواعها، والتي بلغت رقماً قياسياً هذا العام، أكثر من كونها مجرد تطوير للقدرات العسكرية، إنها تمثل اختباراً للقوة يحمل رسائل سياسية حول تموضعها في العالم الجديد. بل ربما أكثر من ذلك، وهو خلق مشكلة عالمية جديدة تضاف إلى كل البؤر الساخنة والخلافات المتفاقمة في الساحة الدولية للفت الأنظار عن الحرب الأوكرانية وتداعياتها ودفع العالم الغربي إلى إعادة النظر في موقفه من تلك الحرب ضمن الضغوط المتبادلة بين الشرق والغرب، خصوصاً أن واشنطن حمّلت بكين، أكثر من مرة، مسؤولية عدم لجم بيونغ يانغ. وبالمقابل، تؤخذ الردود الكورية الجنوبية القوية بإطلاق قذائف وصواريخ مماثلة والمناورات المشتركة غير المسبوقة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك إرسال حاملات طائرات إلى المنطقة، أيضاً في إطار اختبار القوة، وتأكيد جدية الالتزام الأمريكي تجاه الحلفاء خصوصاً في بؤر الصراع الملتهبة. لكن الخشية تكمن في إمكانية انفلات الأوضاع أو البناء على حسابات خاطئة تؤدي إلى انفجار رهيب لا أحد يمكنه التكهن بنتائجه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7wrf89

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"