تكريس الانقسام الأمريكي

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

مهما تكن النتائج النهائية للانتخابات النصفية الأمريكية، فإن الثابت الوحيد الذي كرّسته هذه الانتخابات، هو حقيقة الانقسام الأمريكي الذي لم يعد يقتصر فقط على الحزبين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري)، وإنما بات ينسحب على المجتمع الأمريكي بأسره.

على مدار العقود الماضية، كانت «المداورة» على السلطة هي السمة الأبرز بين الجمهوريين والديمقراطيين، بغض النظر عن الاختلافات بين الحزبين، لكن السنوات الأخيرة، خصوصاً مع وصول الشعبوية واليمين المتطرف إلى السلطة في عام 2016، حملت معها الكثير من التحولات داخل المجتمع الأمريكي، وعمليات استقطاب واستقطاب مضاد، ترتكز أساساً على رؤية اليمين المتطرف ل «تفوق العرق الأبيض» مقابل آخرين يريدون المحافظة على النظام الديمقراطي، ما أسهم في تعميق الانقسام بين الأمريكيين.

في الانتخابات النصفية الحالية، سارت الأمور خلافاً لما هو متعارف عليه تاريخياً بأن الحزب الحاكم يخسر هذه الانتخابات لمصلحة المعارضة، على خلفية الأخطاء في الإدارة، وضعف الأداء الاقتصادي، والتضخم، وغلاء الأسعار، إلا أن الجمهوريين فشلوا في تحقيق انتصار كاسح أو ما يسمونه «الموجة الحمراء» بالسيطرة على مجلسي الكونغرس، تمهيداً للفوز في الانتخابات الرئاسية في 2024؛ إذ إنهم حققوا فوزاً ضئيلاً بمجلس النواب، مقارنة بما كان يحدث خلال الانتخابات النصفية في العهود السابقة، كما حصل في عهد هاري ترومان الذي خسر 55 مقعداً، وبيل كلينتون الذي خسر 53 مقعداً، وباراك أوباما الذي خسر 69 مقعداً، بينما لا تزال نتائج مجلس الشيوخ معلقة، بانتظار الحسم في ولاية جورجيا التي ستجري فيها جولة إعادة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل كما حدث تماماً قبل نحو عامين.

السؤال الجوهري هو لماذا أخفق الجمهوريون، خلافا للتوقعات، في تحقيق «الموجة الحمراء» واكتساح مجلسي الكونغرس؟، وهل كان دونالد ترامب متعجلاً حين أعلن عن قراره المهم في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي بالترشح للرئاسة مجدداً؟ من الواضح أن الديمقراطيين نجحوا عبر حشد الناخبين بكثافة في تقليل حجم الخسائر المتوقعة. هذا أولاً، وثانياً يبدو أن الأسلحة التي اعتمدها الجمهوريون في محاربة الديمقراطيين قد ارتدت عليهم، فمسألة التضخم التي بلغت بالفعل نسبتها الأكبر منذ أربعين عاماً، كشفت أن أولويات الناخبين لا تقتصر حصراً على الاقتصاد، خصوصاً بغياب وجود حلول لدى الجمهوريين. كما أن بعض قرارات إدارة بايدن لقيت قبولاً لدى الأمريكيين، من مساعدات مالية مباشرة وإعانات البطالة خلال جائحة كورونا وخفض أسعار الدواء، وإلغاء بعض ديون قروض التعليم وغيرها. وهناك مسألة في غاية الأهمية وهي الموقف من الإجهاض واحتمالات عودة ترامب، ناهيك عن التحقيقات في الهجوم على الكونغرس، وكلها عوامل لعبت دوراً ضد الجمهوريين.

هناك أيضاً قضية المستقلين الذين في الأغلب ينضمون إلى المعارضة، لكنهم في هذه المرة كانوا أكثر ميلاً للديمقراطيين بواقع 49 في المئة مقابل 47 لمصلحة الجمهوريين، وبالتالي ثمة مؤشرات جدية على أن المجتمع الأمريكي متجه أكثر فأكثر نحو المزيد من الانقسام بكل ما يحمله من أخطار تهدد البنية الداخلية والتماسك الاجتماعي للأجيال القادمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymuvjupm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"