ريادة الأعمال ولغز لنكولن

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

هناك غزارة في الكتب التي نشرت وسطرها مؤلفون بارزون ومؤهلون. وقد شكل كل كتاب تأييداً قوياً للوصفة التي يقدمها الكاتب أو الكاتبة لتحقيق النمو. أي كيف يمكن الحفاظ عليه في الاقتصادات المتقدمة، وكيف يمكن الإسراع بتحقيقه وسط أولئك الذين تخلفوا أو غرقوا في مستنقع الفقر. يضاف إلى هذا أن منظمات دولية متعددة تملك موارد كبيرة تحت تصرفها، لديها هي الأخرى قوائم الأعمال الخاصة بها والتي تراها ضرورية، وربما كافية، لتحقيق تلك الأهداف. بيد أن معجزات النمو الاقتصادي التي تحققت قد تولدت ذاتياً، ودون مساعدة واضحة من نصائح الخبراء الأجانب. ولما كان هذا هو الحال. لماذا إذن نعطى اهتماماً كبيراً لأي أطروحات بشأن مقومات النمو؟

وهناك دراسات ترى أن نجاحات البلدان التي صنعت النمو وفق رؤيتها الخاصة، تقدم خبرات مهمة يمكن – وينبغي – للبلدان الأخرى الاستفادة منها، وهناك محاولات استخلاص ما يعتقد أنه يمكن تعلمه من تلك الممارسات. ومن المؤكد أن هناك، وستكون دائماً هناك اختلافات رئيسية بين البلدان في التاريخ والثقافة. ومن ثم لن تكون هناك وصفة صالحة للجميع.

غير أن القراءة للدلائل التاريخية وخبرات الاقتصادات المزدهرة والابتكارية وسريعة النمو تشير إلى الأهمية المركزية لاستخلاصين بالنسبة لكل من يريدون تحقيق أكبر نجاح ممكن لاقتصاداتهم في رفع مستويات المعيشة لشعوبهم:

أولهما، أن الحوافز مهمة جداً، فالبلدان التي تكافئ الأنشطة المعززة للنمو سوف تنمو أسرع من البلدان الأخرى.

وثانيهما، الدور الكبير الذي تسهم به ريادية الأعمال في عملية النمو.

ولكن على أي أساس تنبع الثقة بأن وفرة رياديي الأعمال المنتجين يمكن أن تحدث فارقاً ملموساً؟

من المستحيل بالطبع القول باليقين المطلق في هذا الشأن. ويقدم لنا التاريخ بالفعل أمثلة وشروحاً يمكن أن تبنى عليها تلك الاستخلاصات. غير أن الاستدلالات التي تقترحها بعض الدراسات يمكن أن تكون قوية ولا لبس فيها تقريباً.

ربما يكون المثل الأقوى ذلك الذي قدمته الآلة البخارية التي حددت بدء الثورة الصناعية، أكثر من أي اختراع أخر غيرها، من المفيد إذن استرجاع التاريخ، وهو ما لخصه الرئيس إبراهام لنكولن بقوله:«إن الاستخدام المفيد لقوة البخار هو بلا شك اكتشاف حديث، بيد أنه على مدى وقت طويل كألفي عام لم تكن قوة البخار ملحوظة فحسب، بل إن لعبة مدهشة يتم تحريكها بالبخار قد صنعت بالفعل في الإسكندرية بمصر». والغريب أنه لا مخترع اللعبة، ولا أي شخص آخر، على مدى زمن طويل لاحق، تصور أن البخار يمكن أن يحرك آلة مفيدة، مثلما يحرك اللعبة.

والإجابة، أو تفسير اللغز الذي يطرحه لنكولن هو أن ريادة الأعمال المجزية حقاً في روما تمثلت بالدرجة الأولى في الفتح العسكري. ويمكن إيراد مثل آخر من الصين في القرون الوسطى، حيث كانت موطناً لسلسلة ملحوظة من الاختراعات. والتي لم تجد طريقها هي الأخرى إلى التطبيق التجاري، حتى القرون الأخيرة على الأقل. وعلى النقيض من هذا نجد أن جيمس وات بعدما قام بتحسين الآلة البخارية تعاون مع ريادي منتج مشهور يدعى ماتيو بولتون. وتقدم بولتون إلى سوق تتصف بالحيوية بالآلة الجديدة بالصورة السائدة لها وقتذاك، لشفط المياه من المناجم، وبعدما أدرك بولتون أن السوق تقترب من التشبع. طلب وات أن يكرس جهوده لإيجاد طرق جديدة لتكييف الآلة مع استخدامات أخرى عديدة بدأت بالكشف عن نفسها. ولقد أدت الثورة الصناعية الناجمة عن هذا الاكتشاف إلى إعادة تشكيل الولايات المتحدة وأوروبا. والدرس التاريخي المستخلص هنا هو أنه دور رياديي الأعمال. ودون حوافز مناسبة تقنعهم بتكريس أنفسهم – بحماس ودون كلل – للاستخدام التجاري لابتكاراتهم، لا يمكن الاعتماد على التقدم الاقتصادي بل في الحقيقة لا يرجح حدوثه أصلاً.

وهكذا يتضح لنا من الشواهد التاريخية الجازمة أن ريادية الأعمال وحوافز التقدير هما من المقومات التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي اقتصاد ينمو.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w8ure35

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"