عندما أصبح الاقتصاد عالي التقنية

21:33 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

بدخول أمريكا في الحرب العالمية الثانية عام 1941، تمت صياغة الاقتصاد التقني داخل خدمات وقت الحرب، وتمت إعادة تنظيمه بطريقة مكثفة، وفي عديد من المراكز حول البلاد، شمر الاقتصاديون عن سواعدهم، وذهبوا إلى العمل.

في كامبريدج، ماساتشوستس، عمل «بول صامويلسون» على الرادار وعلى التحكم الرياضي في الحرائق لمصلحة معامل معهد لينكولين ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقام بمراجعة رسالته في أوقات الفراغ. وفي واشنطن طور كل من سيمون كوزنيتس وروبرت ناثان حسابات الدخل القومي. وفي جامعة كولومبيا بنيويورك، عملت مجموعة الأبحاث الإحصائية على رياضيات الاحتمالات، واخترعت تلك المجموعة، ضمن أشياء أخرى، طرق أفضل لاكتشاف القنابل والقذائف المدفعية التي لا تعمل بشكل جيد. وكان سعى جامعة «برينستون» للتوصل إلى اختراع آلة للجمع تعمل بشكل أفضل هو الذي أدى إلى الوصول إلى الحاسوب المركزي، لكن الدراما التي صاحبت مهمة زمن الحرب التي تكشفت في جامعة شيكاغو هي التي أسرت خيال مهنة الاقتصاد. وقد انسحبت لجنة «كولز» إلى شيكاغو آتية من منابع كولورادو البعيدة عام 1939، وأعادت تنظيم نفسها لتصبح مؤسسة. وتشاركت في مساحة المكتب مع قسم الاقتصاد. ومع اندلاع الحرب، تلقت اللجنة مهمة جديدة من الحكومة؛ وهي بناء نموذج اقتصاد قياسي عامل للاقتصاد الأمريكي.

وخلال السنوات العشر التالية، تشكل كثير من مستقبل الاقتصاد في «كولز». وهناك بدأ التفريق بين جدائل الاقتصاد: إلى الكينزيين والاقتصاد الكلي، والاقتصاد القياسي. والاقتصاد الرياضي، ونظرية اللعبة. كان ذلك بإحدى الطرق حركة «بعيدة عن الكرة»، بمعنى أن معظم الأعين في تلك الفترة، ركزت على ما كان سيقوله مهندسو كينيز في كامبريدج و«ماساتشوستس» حيال المشاكل المالية للحرب. الخبر الجيد كان أن المجموعة ذات الاتجاه العقلي العلمي في «كولز» أنتجت تحقيقاً أعمق من كل ما سبقه لمنطق اليد الخفية. أما الخبر السيئ؛ فهو تجاهل أو إبعاد مصنع الدبابيس مرة أخرى. وأصبحت دلالة تزايد العوائد أكثر غموضاً. وفي الجماعة التي تجمعت في شيكاغو، قام جاكوب مارشاك بتعيينهم وكانوا من المتخصصين في الإحصاء والاقتصاد والفلسفة والرياضيات والاستراتيجية بدلاً من الفوضى.

كانت فكرة النموذج الرياضي نفسه على الأرجح هي أكثر الابتكارات التي ارتبطت بلجنة «كولز» في شيكاغو تميزاً إلى جانب التوظيف السريع لأسباب الاقتصاد الكلي الكينزي. تم الرجوع إلى المعادلات الآنية في ذلك الوقت على أنها طرق لجنة «كولز». لم يعد من الممكن استخدام جبر المدارس الثانوية، لحل المسائل الكلامية. ولكن لم تكن أي من هاتين السلسلتين من نوع المنطق الرياضي الذي يسير وفقاً لتسلسل إذا -هذا - إذن ذلك. ويبدو أن المستوى الجامعي لمادة التفاضل، أعطى طريقة لتوضيح الافتراضات حتى أصبحت غير متناقضة بشكل تام؛ حيث استعاض عن الكلمات المشحونة عاطفياً بمصطلحات ذات معنى واضح بشكل لا مناص منه. وعلى الرغم من أن مشكلة التفريق بين الأسباب والآثار، اتضح أنها أكثر صعوبة مما تصوره الاقتصاديون في «كولز»، وحل مصطلح «النموذج» منذ وقت طويل محل مصطلح الافتراض في معظم مراكز الأبحاث إلا في بعضها. إذا لم يكن لديك أي نموذج فأنت غير مؤهل للدخول في النقاش. ثم كان هناك الاقتصاد القياسي. كانت الفكرة في المزاوجة بين الاقتصاد والإحصاء، وتم إثبات أن مجيء الطرق الإحصائية، كان أكثر نواحي التطور المفيدة في الرياضيات منذ ظهور التفاضل. الكثير من نواحي الحياة كانت فرصاً، وأدركت لجنة «كولز» أنها، كانت معرضة للخطأ العشوائي. فأي نظام من المعادلات التي تصف التوازن سيكون معرضاً لأشياء تحدث عشوائياً (الصدمات الدراسية) تعارضت مع الافتراضات الاقتصادية البحتة والتي يمكن أن تمنع المتغير من أن يتخذ الشكل الذي فرضته النظرية. كيف يمكن أن تصل إلى القياس الأفضل للسبب والأثر في عالم على هذا القدر من التعقيد؟ وكان للمجال الفرعي لتحاليل الانحدار التاريخ الطويل بالفعل في الإحصاء كوسيلة للتفريق بين السبب والأثر، ولوصف الارتباط بين أحد المتغيرات بالآخر، في جميع المجالات بداية من الميكانيكا ووصولاً إلى علم الوراثة في الإنسان. وقام الاقتصاديون بتكييف الأداة، لدراسة مشاكلهم.

كان الاقتصاد الرياضي تطوراً ثالثاً بالغ الأهمية وقد نتج عن «كولز». في حقيقة الأمر، وأدى إلى أول إنجاز واضح للفريق - وهو التوصل إلى تقنية لحل «مشكلة الشحن»؛ وهي مشكلة إيجاد الطريق الأفضل بين عدد من المقاصد النهائية، مع وضع السفن المناسبة في الاعتبار، وطاقم الشحن، والشحنات، وتسهيلات الميناء، وما إلى ذلك. (وفي أوقات السلام عرفت تلك المشكلة على أنها مشكلة رجل المبيعات المسافر) كانت تلك فقط مشكلات تنظيمية، وكان ذلك صحيحاً، لكن في العمق لم يكن هناك أي فرق عن المشكلات الاقتصادية الأخرى، وكانت الفكرة أنه سيصبح من الممكن توصيل أهم الخامات في العمل على توزيع الموارد النادرة في وقت أقل. كان الفيزيائي الذي تحول إلى اقتصادي كوبمانز «Koopmans» هو الذي تفتق تفكيره في عام 1942 عن نظام رياضي عملي، لاتخاذ تلك القرارات، وقد أدرك كوبمانز منذ وقت طويل أنه قادر على الوصول إلى الوضع الأمثل بالنسبة لمئة متغير وربما أكثر. علم الأمريكيون لاحقاً بعد سنوات أن ليونيد كانتروفيتش قد توصل إلى نفس الاكتشاف في لينينغراد عام 1939 في أثناء عمله على تصنيع الأخشاب لمصلحة المجموعة الاحتكارية للخشب الرقائقي في الاتحاد السوفييتي. وفي عام 1947 وعندما كان يعمل لمصلحة القوات الجوية الأمريكية، اكتشف عالم الرياضيات جورج دانتزيج ما أصبح بعد ذلك أفضل طريقة على الإطلاق للحصول على أكبر قدر من الإنتاج باستخدام أقل قدر من المدخلات، وقام بحساب التبادلات المتنوعة على مدار الطريق. وقد أطلق على تلك التقنية «الطريقة البسيطة».

*باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mpffwywd

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"