عادي
علماء يؤكدون أهمية نشرها

ثقافة العطاء.. ضرورة أخلاقية للارتقاء بالبيئة

23:01 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة– بسيوني الحلواني

لا يقف العطاء الحضاري للإسلام في مجال البيئة عند حمايتها من التلوث، ووقف الممارسات العشوائية الضارة بكل عناصر البيئة المحيطة بنا من كل جانب، والتي هي الجزء الأهم في حياتنا وأحوالنا الصحية والنفسية؛ بل يرتقي العطاء الإسلامي ليشمل كل ما يحسن من البيئة، ويضيف إليها جمالاً وبهاء وحماية من كل صور وأشكال الفساد.

ويتفق خبراء البيئة مع كبار علماء الإسلام في ضرورة نشر ثقافة العطاء الإسلامي في مجال البيئة، وهو عطاء متعدد ومتنوع من المهم أن يقف عليه المسلم وغير المسلم، ليدرك حجم ما قدمته الشريعة الإسلامية الغراء ومدى حاجتنا إليها، لتستقر حياة الناس.

1

يعرفنا د. عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر نطاق البيئة الذي يستهدف الإسلام حمايته والارتقاء به، فيقول: «الإسلام يستهدف حماية المحيط الكوني الذي خلقه الله، سبحانه وتعالى، ويحتوي الإنسان، ويتضمن المواد اللازمة لاستمرار حياته، وإشباع وجوه الجمال فيها؛ وذلك كالماء وما فيه من عوالم البحار التي يستخرج منها اللحم الطري اللازم لتغذيته، والأصداف الجميلة، والدرر الثمينة التي يحتاج إليها للجمال والزينة، كما قال سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» كما تشمل البيئة الأرض وما عليها من الأشجار الجميلة والنباتات اليانعة، والحدائق المزهرة».

ويتابع: «تشمل البيئة كل ما على الأرض من الطيور والدواب والهوام فإنها كائنات تدخل في نطاق البيئة التي يعيش عليها وتساعده في القضاء على ما يهدد غذاءه فيها.. كما تشمل الهواء وما يمثله من ضرورة لاستمرار الحياة؛ حيث يحتوي على العناصر اللازمة للتنفس وتغذية الجسم بالمادة الأساسية التي تمده بالطاقة وهي الأكسجين، كما قال سبحانه: «وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ»، ففي هذا القول الكريم ما يشير إلى أن الله قد وضع الأرض للأنام لتكون قراراً لهم، وهي لن تكون كذلك إلا إذا احتوت على كافة العناصر اللازمة لاستمرار الحياة؛ بل إن الله سبحانه جعل في حياة البيئة الصحيحة ما يكمل حياة الإنسان ويهيئ لها أسباب الحفظ والسلامة والبقاء».

واجب ديني

ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن منظومة الإسلام الأخلاقية للارتقاء بالبيئة تشمل مرحلتين: الأولى: المحافظة على البيئة، وهي- من خلال استعراض النصوص الشرعية من القرآن والسنة- تدخل في باب الواجبات الدينية، فهي من الأعمال المطلوبة شرعاً، والإخلال بها أو التهاون بشأنها يعد إتياناً لعمل محرم لا يجوز الإقدام عليه، ولا يصح التورط فيه، وقد يرتقي الجزاء عليه في الدنيا إلى حد العقوبة الملائمة لمن يفعله؛ وذلك دون إخلال بالقواعد العامة التي تحول بين المفسدين وإتمام أعمالهم الضارة.

أما المرحلة الثانية: فهي الارتقاء بالبيئة من خلال القيام بكل ما يحسن من البيئة بكل عناصرها، ويهيأها للإنسان وباقي مخلوقات الله النافعة لكي تستفيد بها، وهذه أيضاً من الواجبات طالما كانت في مقدور الإنسان، فهي شكل من أشكال تعمير الأرض الذي حثنا عليه ديننا، وأجزل العطاء لكل من يسهم فيه مخلصاً لوجه الله.

حوافز دينية

يؤكد د. نزيه عبد المقصود، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بالأزهر أن المنظومة الإسلامية لحماية البيئة والارتقاء بها «منظومة مثالية»؛ حيث تأخذ بكل أسباب الحماية والارتقاء، وتعد مظهراً بارزاً من مظاهر الرقي والتحضر في الشريعة الإسلامية؛ حيث اهتمت تلك الشريعة السماوية الخاتمة اهتماماً بالغاً بكل ما يرتقي بحياة الناس، ويحميهم من كل ما يضر بصحتهم أو عقولهم أو ممتلكاتهم، فالشريعة الإسلامية لم تهمل شيئاً فيه مصلحة حقيقية للإنسان، ويؤدي إلى الارتقاء بحياته، أو توفير مقومات الحياة الكريمة له؛ لذلك جاء اهتمامها واضحاً بصحة الإنسان البدنية والنفسية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا عاش في بيئة نظيفة خالية من الملوثات، وأحاطت به مظاهر الجمال والإبداع الإلهي والإنساني.

علاقة مثالية

ويوضح عبد المقصود أن حماية البيئة من التلوث والفساد، هدف تسعى إليه تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقياته؛ حيث رسمت للإنسان علاقة مثالية بكل عناصر الكون، حتى يستفيد منها أقصى استفادة، ويوظفها لتحقيق مصالحه، ويعيش حياة طيبة خالية من الأمراض والأوبئة.

ويقول: «سبقت شريعتنا الغراء كل الحضارات الحديثة التي تدعي العناية بالبيئة والارتقاء بها، وهي التي تلحق بها التلوث وبالبشرية كلها الأذى البدني والنفسي الآن نتيجة سباقها الصناعي وما يسببه من أضرار بالغة بالبيئة، لكن تعاليم شريعتنا الإسلامية تتميز بالثبات، وهي لا تقف عند حماية البيئة من السلوكات الخطأ، لكنها تتطور لترتقي بالبيئة وتحسن إليها».

ويضيف: «حماية البيئة من ألوان الفساد وأشكال التلوث أمر مهم للغاية، لكنه بالنسبة للشريعة الإسلامية يعد (أضعف الإيمان)، فالإنسان الذي يلتزم بتعاليم دينه يؤمن بأن من واجبه أن يحافظ على البيئة، ويحرم عليه تلويثها وإفسادها، لأن الله خلقها من أجله وسخرها لخدمته ومنفعته، ومن هنا حرمت الشريعة الغراء على المسلمين وغيرهم التبول أو التبرز أو إلقاء القاذورات، أو جثث الحيوانات، أو مخلفات المصانع أو المدن في مجرى المياه خشية تلويثها فيضر ذلك الإنسان والحيوان وغيرهما من مخلوقات الله، والقاعدة الشرعية التي وضع أساسها رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: (لا ضرر ولا ضرار)».

إفساد يضر بالجميع

يؤكد د. محمود الصاوي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر أن منظومة الإسلام لحماية البيئة منظومة أخلاقية تستهدف الخير للبشرية كلها، فقد ثبت أن للتلوث آثاره وتداعيات صحية واقتصادية خطرة على المجتمعات المعاصرة، لذلك يجب الاستفادة من التوجهات الدينية لكل الأديان السماوية.

ويضيف: «الموقف الإسلامي من التلوث واضح، فالإسلام يجرم تلويث البيئة، ويعتبره إفساداً في الأرض، حيث يؤدى إلى الإضرار بصحة الإنسان، ويؤدي إلى إهلاك الموارد التي خلقها الله لنفع الإنسان، والله سبحانه وتعالى يقول في شأن من يضر بالبيئة ويسعى إلى تلويثها وإفسادها: (... وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6796txv2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"