عادي
قناديل إماراتية

راشد عبدالله النعيمي.. رائد الرواية الإماراتية

23:04 مساء
قراءة 4 دقائق
3

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبـّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

يعتبر راشد عبدالله النعيمي من الشخصيات الثرية متعددة المعارف والمواهب، وهو صاحب خبرة طويلة في العمل الوطني، ومن النجوم اللامعة في سماء الدبلوماسية والسياسة والعمل الخيري والإنساني، وتقلد العديد من المناصب الرفيعة في الدولة، وإلى جانب ذلك كله، ولج النعيمي عالم الأدب، ذلك الحقل الذي سطر فيه اسمه بحروف بارزة نسبة لكونه يعتبر رائد الرواية في الدولة، فقد كتب أول عمل روائي إماراتي جاء بعنوان «شاهندة»، في عام 1971 كانت بمثابة بداية الغيث للمؤلفات والأعمال الروائية في الإمارات، وتبعتها مؤلفات لأدباء كثر.

ولد النعيمي في إمارة عجمان في أربعينات القرن الماضي، ونشأ فيها وحصل على شهادة الثانوية من دولة قطر، ثم أكمل دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في هندسة البترول من جامعة القاهرة عام 1967، إضافة إلى دراسات في اقتصاد البترول، ومما يذكر من مسيرته أنه شغل منصب وزير الخارجية لدولة الإمارات خلال الفترة من 1990 الى 2005، وكان قد قُلِّد منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية خلال الفترة من 1977إلى 1990، إضافة إلى عدد كبير من المناصب.

تداول

لا تزال رواية «شاهندة»، ذلك النص التأسيسي، تجد التداول الكبير وسط النقاد والقراء والأدباء في الإمارات، وهي عمل سردي بطلته الفتاة «شاهندة»، فائقة الجمال، والتي يتمناها الجميع، ولكن الأقدار كانت بالمرصاد، إذ تم اختطافها هي ووالديها بواسطة نخاس، وقام ببيعهم، وكانت تبلغ من العمر حينها 17 عاماً؛ أي في ريعان الشباب، وبعد فترة اشتد عودها وردت الصاع صاعين لمن باعها ومن استعبدها وانتقمت بشكل قاسٍ من الجميع، غير أن الحياة القاسية التي مرت بها شاهندة حولتها إلى وحش وأصبحت «خرابة بيوت» تنتقم لمجرد الانتقام من مجتمع ترى أنها ضحية له.

الرواية وجدت صدى كبيراً وقبولاً من قبل القراء في ذلك الوقت وأثارت جدلاً لا يزال متواصلاً، نسبة لفكرتها وموضوعها المثير بجوانبه الاجتماعية والإنسانية، حيث إن العمل يغوص في حكاية تلك الفتاة الغريبة القادمة من ثقافة مختلفة وانعكاس ذلك على المجتمع المحلي، إذ إن الرواية حافلة بالصراع الثقافي والاجتماعي وشديدة الالتصاق بالواقع، وربما ذلك ما دفع النعيمي للحديث عن الرواية قائلاً: «قصتي هذه تنبع من واقع عشناه، عشناه بين حبات الرمل المتحركة في حياة جافة قاسية، أكتبها لهذا الجيل الذي يبني بقوة سواعده بلداً عظيماً، فتمده العزيمة الصادقة والأمل الطامح، أكتبها للأجيال القادمة، لتكون لهم نافذة يطلون منها على حياة آبائهم وأجدادهم، فتملؤهم بالعزة والثقة، أكتبها للقادمين إلينا، للعابرين على ضفاف خليجنا، لتكون لهم دليلاً هادياً ورفيقاً معيناً»، وتلك الكلمات تحمل دلالات مهمة حول مضمون الرواية التي حفلت بالقيم الوطنية والحض على العمل من أجل التطور والازدهار، وتوق الإنسان نحو الحرية.

ويشير النعيمي في حوار أجري معه في العام 1999 الى أن روايته شاهندة كانت تحدياً شخصياً له حول قدرته على الكتابة، والتعبير بأسلوب بعيد عن التعقيد عن تجربة ما، وأنه لم يكن يفكر على الإطلاق في التحول إلى رائد الرواية الإماراتية، ولم يكتب وفق تقنيات معينة، أو لأسلوب مسبق، وإنما ترك لسجيته أن تعبر عمّا يجول في خاطره من مواقف وأفكار في شكل حكائي، وقال راشد في الحوار المذكور: «لم يكن هدفي هو الريادة، أو أن أكون كاتباً رياديّاً، أو لكي يُقال عني إنني أول من كتب في هذا المضمار الأدبي في الإمارات، ببساطة وجدتُ أنني من خلال هذه التجربة قادر على الكتابة، لقد عبَّرتُ عن تجربة معيَّنة بأسلوب روائي بسيط، وما فكّرتُ يوماً بالأسبقيّة الكتابيّة، كان لديَّ بعض الأفكار والمواقف، وعرفتُ أنني قادر على إخراج هذه الأفكار والمواقف في أسلوب روائي معيّن وعلى سجيّتي، وأشبِّه نفسي في ذلك الوقت بالإنسان الذي يدخل بستاناً، ويجد فيه بعض الأشجار الطيبة فيأخذ منها، كما يجد بعض النباتات الشوكية فتُلحق به الأذى، ولكنه في النهاية يخرج بنتيجة ما، ولو دخل البستان مرة أخرى فسيعرف الطيِّب من غير الطيِّب».

وعلى الرغم من أن الرواية هي العمل الوحيد للمؤلف، إلا أنها جاءت مميزة من حيث التقنيات والأفكار والأسلوبية، حيث برع المؤلف في تحشيد العمل برؤى فكرية بصورة لم تثقل النص، ولم تقلل من قيمته الجمالية والإبداعية، وجاءت حافلة بالأحداث المشوقة والممتعة، ونجحت في إبراز طرق العيش والحياة القديمة التي كان قوامها التجارة في مختلف أنواعها، وكذلك صيد اللؤلؤ، وقد أغرى العمل الكثير من النقاد إلى تناوله وتحليله وهي العملية التي مازالت مستمرة، ويشير الناقد المغربي نجيب العوفي، إلى أن «شاهندة»، كانت شاهدة على مرحلة ماضية من تاريخ الإمارات، فهي رواية رائدة مهدت لفن إبداعي جديد، لم يكن له أثر ولا خبر في ربوع الإمارات، إن لم يكن في ربوع الخليج عامة.

ملتقى

ونسبة لموقع الرواية الكبير في قلوب الإماراتيين، قامت دائرة الثقافة والإعلام في عجمان بإحياء أو إلقاء الضوء من جديد على رواية «شاهندة»، وتمثلت هذه المبادرة في تنظيم ملتقى يحمل اسم الرواية هو ملتقى شاهندة للإبداع الروائي في عجمان، والذي يعمل على تأسيس التجارب الإبداعية الأدبية والفنية وإخضاعها لرؤى نقدية مختلفة ومعمقة للخروج منها بتصورات يستفاد منها في إثراء التجارب الجديدة.

إلى جانب تلك الرواية، فإن للنعيمي مؤلفاً آخر بعنوان «زايد... من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد»، وهو الآخر يعتبر أول كتاب عن الاتحاد، ويتناول جوانب من حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2cjbpw47

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"