حسن بانو غضنفر وزيرة شاعرة تحارب أشباح الظلام

مسؤولة عن وزارة "الخطر" في أفغانستان
12:04 مساء
قراءة 4 دقائق

إذا كانت المناصب السياسية تحتاج إلى كفاءات خاصة لشغلها، تبقى أهم ميزة يجب أن تتوافر في منصب وزيرة المرأة الأفغانية هي قدرتها على تحمل وتلقي الأخبار السيئة المتواترة بلا هوادة على مسامعها يومياً . تقريباً تستيقظ حسن بانو غضنفر كل صباح على فاجعة مختلفة، مثل تعرض فتيات لهجوم بالأسيد ماء النار أثناء توجههن إلى مدارسهن صباحاً لإخافتهن وإعادتهن إلى المنازل، أو تعرض مياه الشرب بمعهد لتعليم الفتيات للتسميم بعد إلقاء مواد سامة به أودت بحياة بريئات لا ذنب لهن سوى الدفاع عن أبسط حقوقهن بالحياة وهو التعليم، أو تعرض سيدات وفتيات للضرب المبرح، وربما القتل من ذويهن بعد اعتراضهن على الزيجات المدبرة، وغيرها الكثير الذي تحمله الرياح من مئات القرى البائسة المنعزلة، إلى مقر وزارتها بالعاصمة كابول .

أما أحدث الفواجع التي تلقتها غضنفر بحسرة واحتساب، فكانت اغتيال حنيفة آصفي القائمة بأعمال شؤون المرأة في إقليم لغمان شمالي شرق أفغانستان، بنفس طريقة طالبان المعتادة المتكررة التي تنفذها بدم بارد وضمير منعدم . في الصباح الباكر أثناء توجه آصفي لعملها اقتربت منها دراجة نارية يقودها ملثمان أطلقا النار عليها وتركاها جثة هامدة بلا جرم ارتكبته سوى اهتمامها بالدفاع عن حقوق المرأة بمنطقتها، والعمل على تحسين أوضاعها المعيشية ومناصرتها قضائياً . وبالسيناريو ذاته اغتيلت بعدها بأيام قليلة المتطوعة أنيسة صديقي (22 عاما) بسبب اشتراكها بحملة للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال في مقاطعة كابيسا . ومن قبلهما كن المئات، ومن بعدهما لا أحد يعرف تحديداً الرقم المتوقع التضحية به من نساء كل جرمهن الحلم بمستقبل أفضل في واقع يسوده الجهل والتطرف .

وزيرة برتبة محاربة تتولى وزارة الخطر تحارب أشباح الظلام في بلد عانى لعقود طويلة من انتشار عادات وقيم ترفض الاعتراف بأبسط حقوق للمرأة، والدرب طويل والتغيير صعب لكنها عازمة على استكمال طريق بدأته الناشطة، سيما سمر، في العام ،2000 وتحلم بتحرير المرأة من زنزانة التخلف التي حبستها داخلها طالبان قبل عقود . وعلى الرغم من أن الأرقام لا تدعو إلى التفاؤل لكن غضنفر الأديبة والشاعرة تدفعها إرادتها القوية إلى المضي قدماً حتى ولو بخطى بطيئة، فهذا من وجهة نظرها أفضل من التوقف الذي ربما يتسبب بالعودة إلى المربع صفر مجدداً .

كانت آخر إحصاءات أصدرتها وزارة المرأة الأفغانية أشارت إلى أن أكثر من 3500 سيدة وفتاة تعرضن للعنف المفرط في النصف الأخير من العام الماضي، وهذا العدد لا يشمل الحالات غير المبلغ عنها، والأخرى التي تشمل الضرب والاعتداء داخل الأسر، وهو حدث شبه يومي معتاد داخل المنازل المغلقة يصل أحيانا إلى القتل من دون إبلاغ السلطات . يضاف إلى ذلك الزيجات المدبرة، وغيرها الكثير من قائمة تحديات كبيرة تواجه الوزيرة غضنفر صباح مساء . حظيت غضنفر بثقة الجمعية الوطنية الأفغانية بالعام 2006 بعدد أصوات تجاوزت 191صوتاً، وكانت الأولى التي حصلت على هذا الدعم الكبير مقابل أسماء نظرائها الوزراء حاملي الحقائب المختلفة، والسبب في ذلك يرجع إلى شخصيتها الهادئة، الواثقة من نفسها، بعد أن عرف عنها العمل خطوة خطوة، فهي تؤمن بأن الإنجاز البسيط في الحاضر، يصنع فرقاً كبيراً في المستقبل، إذا تم استثماره بشكل جيد والبناء عليه .

الوزيرة الأفغانية (55 عاماً) تدين بكثير من الفضل في بناء شخصيتها الجادة إلى والدها المعلم عبد الغفار الذي أسهم في تشكيل وعيها منذ الصغر بتشجيعها على القراءة، فأجادت عدة لغات مثل الفارسية، والأزبكية، والإنجليزية، وبعضاً من التركية، وكانت الوحيدة بين زميلاتها بمدرسة سلطان رياض الثانوية بمقاطعة مزار شريف التي تجيد التحدث بكل هذه اللغات، وكانت تقص على زميلاتها عدد من الروايات والقصص التي طالعتها من الأدب الأجنبي .

حققت غضنفر تفوقاً دراسياً والتحقت بكلية الآداب جامعة كابول وحصلت على درجتها الجامعية في علم الأدب والاجتماع، ثم حصلت بعد ذلك على الماجستير، ثم عينت بالجامعة التي وفرت لها منحة بعد ذلك بعامين لإنجاز درجة الدكتوراه في علم فقه اللغة بجامعة بيتسبيرغ الروسية، حيث أتقنت اللغة الروسية هناك أثناء الدراسة . وبعد عودتها من روسيا عام 2003 عينت عميدة لكلية الآداب حتى اختيرت لشغل منصب وزيرة المرأة العام 2006 . وتمتاز غضنفر بعشقها للعمل منذ ساعات الصباح الباكر يومياً، لأنها إلى جانب مسؤولياتها الوزارية التي تشرف خلالها على 9 أفرع، و34 إدارة محلية موزعة جغرافياً على أنحاء بلادها المترامية الأطراف، تعمل عضواً بالمجلس الأعلى لوزارة التعليم العالي، وعضواً في عدد من المنظمات والاتحادات الدولية المعنية بشؤون المرأة حول العالم . كتبت غضنفر عشرات المقالات العلمية التي نشرت بعدد من الدوريات المحلية والعالمية، كما أنها شاعرة، ولديها عدد من الإصدارات الأدبية أهمها : The human fate أو المصير الإنساني، و predations in the 21 century أو الافتراس بالقرن العشرين، و The secret of beauty and attraction أو سر الجمال والجاذبية، و Self realization أو الإدراك الذاتي الذي ترجمته هي إلى عدة لغات .

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه عملها، والتهديدات المختلفة المحدقة بسلامتها إلا أنها تمتاز بالهدوء، والرصانة . وعندما سئلت الوزيرة عن مخاوفها على حياتها أجابت قائلة: أفضل التركيز على عملي، لدينا الكثير من المهام التي يجب إنجازها، وإذا توقف كل منا عند سلامته الشخصية فلن نتقدم خطوة إلى الأمام . وأضافت أنا مؤمنة وأعرف أن ساعة الرحيل قدرها الله عز وجل وحده، لكن أدرك كذلك أن العمل واجب، والخوف مذلة . وفى مقابلة صحافية حديثة معها، وأكدت أن الأهداف الكبرى تستدعي العمل الجاد، وقالت: يجب أن يظل نصب أعيننا هذا الحلم حتى نعمل بلا كلل على الوصول إليه، ربما بعد عقدين، أو أكثر، لا أعرف تحديداً، الأهم أن نعرف ما نبغي الوصول إليه، وكيف نصل إليه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"