عادي

الأمور المستحدثة.. ليست بدعة دائماً

22:54 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة : بسيوني الحلواني
اختلطت المفاهيم، حول «البدعة»، في أذهان كثير من الناس، واعتقد البعض أن كل ما هو جديد ومستحدث يدخل في نطاق البدعة المذمومة شرعاً، وكل ما هو قديم ومتوارث يدخل في نطاق السُنة وهذا على خلاف مقصود الإسلام، فهناك ما هو مستحدث وجديد ويحقق مقاصد الإسلام، ويحتاج إليه المسلمون في كل عصر، حيث قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه:«أنتم أعلم بأمر دنياكم».

يوضح د. شوقي علام، مفتي مصر أن البدعة كل شيء مستحدث في أمور الدين، وليست كلها مذمومة، بل هناك (بدع حسنة) وهي التي تتفق مع تعاليم الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية؛ فالبدعة المذمومة تبطل الدين، وما كان على خلاف الشرع الحنيف.

الصورة

ويضيف أن البعض يعتبر كل ما هو مستحدث في أمور الدين من البدع المذمومة، استناداً إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وأوضح العلماء أن تحريم الأمور المبتدعة ليس على إطلاقه، وعندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعة نخرج بأن البدعة المحرمة «هي الأمر المستحدث الذي يتناقض مع أحكام الإسلام»، أما كل جديد أو مستحدث يتوافق مع تعاليم وأحكام الإسلام، فيدخل في دائرة السنة الحسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»؛ ولذلك ينبغي أن نقرأ النصوص قراءة متكاملة.

وحول ما يدعيه البعض- على سبيل المثال- من أن صيام شهر رجب من البدع، قال: «هذه من الشبهات الموسمية التي تتكرر في كل موسم، وهي ليست صحيحة، ونحن ننصح الجماهير المسلمة في كل مكان بأن تأخذ الأحكام الشرعية من العلماء المؤهلين، وليس من أشخاص لا تكتمل في أذهانهم الرؤية الشرعية الصحيحة».

تعدد وتنوع

يقول د.عبدالفتاح العواري، أستاذ التفسير وعلوم القرآن والعميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية: «الأمور المستحدثة في الدين ليست كلها مرفوضة، فالبدعة ليست في كل الأحوال (ضلالة في النار)، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نِعمت البِدعة هذه) حين رأى المسلمين يصلون التراويح جماعة خلف أبي بن كعب، وقد قال الإمام الغزالي في إقامة الجماعات في التراويح: إنها من مُحْدَثات عمر رضي الله عنه وإنها بدعة حسنة، إنما البدعة المذمومة ما يُصادم السنة القديمة أو يكاد يُفضي إلى تغييرها».

ويوضح د. العوارى أن هناك بعض الأمور والسلوكيات الحسنة التي تتعدد وتتنوع في حياتنا ولم تثبت في حق الرسول، أي لم يقم دليل خاص على أنها للوجوب أو غيره، فينظر فيها، فإن ظهر فيها معنى الاستحسان كافتتاح الرسائل مثلا بعبارة (بسم الله)، فيُحمَل على الندب لأن فيه التأسي والاتباع.

ويقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: «ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم طبيعته البشرية كأكل الضبّ- مثلاً- فلا تأسي فيه، وقد سأل خالد بن الوليد رسول الله وقال له: (أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أُعافه)، فالطبيعة البشرية تختلف من شخص لآخر، فقد يشتهى إنسان طعاماً، ولا يرغبه آخرون.. ولذلك فإن كل ما تركه الرسول بحكم طبيعته البشرية لا يلزم المسلم تركه».

ويوضح أن هناك أشياء تركها رسول الله لحكمة أبانها للناس وقتها كترك صلاة التراويح جماعة خشية أن يعتقد بعض الناس أنها مفروضة، فهذا الترك لا تأسي فيه بعد وفاته لعدم خشية الفرضية بانقطاع الوحي، ولهذا رجع عمر إلى الأصل وصلّاها جماعة ومدحها.

وأشار د. كريمة إلى أن ترك شيء كان يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام يكون بدعة، فالبدعة التي يحاسب عليها المسلم هي كل حدث جديد لم يكن أيام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدين المهديين؛ لأن هذا هو معنى (أحدث). أما ترك شيء كان يفعله النبي وخلفاؤه فلا يسمى بدعة، بل يسمى مخالفة، سواء وصلت إلى درجة التحريم أو بقيت في درجة الكراهة، اللهم إلا إذا اتخِذ هذا الترك ديناً فيتعبد به فيكون بدعة، كالذين حرموا على أنفسهم أكل اللحوم لا لسبب طبيعي، ولكن للتدين وترك الحلال، فتحريمها من هذه الوجهة بدعة، أما الزهد، والتقشف وإيثار الآخرة فلا بأس به.

ويشير د.كريمة إلى أن هناك أموراً لم يفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم وجود ما يتطلبها أو يقتضيها في عصر، وهذه الأمور المستجدة لا يجوز تركها وعدم الاجتهاد فيها الآن، بل ينبغي إعمال العقل فيها واستنباط أحكام شرعية لها من خلال ما يسمى ب(الاجتهاد)؛ لأن شريعة الإسلام تستوعب كل الأحداث المتجددة، وتواكب كل تطورات العصر، ولو ترك أمراً لم تتهيأ أسبابه في الصدر الأول للإسلام، ثم تهيأت الأسباب لذلك فلا تأسي في تركه، وليس ذلك مخالفاً للسنة، فهو من قبيل المسكوت عنه يجْتَهِد فيه العلماء؛ فالبدعة في الدين، تكون في الأصول المتفَق عليها، أما الفروع التي هي محل الاجتهاد وفيها خلافات للعلماء فلا ينبغي أن توصف بالبدعة، وقد قال العلماء: إن العمل المُسْتَحْدَث إذا استند إلى حديث ولو كان ضعيفاً يُخرِجه عن نطاق البدعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/482rc22y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"