يوسف مسعد: إعاقتي سر نجاحي

أسس أول قناة تلفزيونية على الإنترنت لذوي الاحتياجات
13:22 مساء
قراءة 7 دقائق

يوسف مسعد اسم يعرفه جيداً الكثير من مرتادي الإنترنت العرب، ومن فئات ذوي الإعاقة في مصر وجميع البلاد العربية، لم لا وهو مقدم برامج شهير ومؤسس أول قناة تلفزيونية على الإنترنت تتحدث بلسان ذوي الإعاقة وهي قناة صوتنا التي يقوم على إدارتها والعمل بها أشخاص من ذوي الإعاقة .

ليس هذا فحسب، ولكنه رغم إصابته في طفولته بإعاقة حركية جعلته ملازماً للكرسي المتحرك، نجح في حياته العملية بأن يصبح من أمهر المحاسبين في إحدى شركات الأغذية الشهيرة بمدينة المحلة الكبرى، كذلك أسس أول نقابة مستقلة للعاملين في الصناعات الغذائية دفاعاًعن حقوق العمال في مدينته واختاره أعضاء النقابة كأول رئيس لهذه النقابة، كذلك كانت له نشاطات فعالة في مجال الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة والسعي إلى تأسيس كيان مؤسسي يرعى شؤونهم ويحمي حقوقهم .

بداية قصة تحدي يوسف مسعد لإعاقته تعود إلى ما قبل 41 عاماً من الآن، ويقول يوسف: ولدت في شهر إبريل/ نيسان عام 1970 لأب كان يعمل فني كهرباء في إحدى شركات المضارب في المحلة الكبرى، وأم ربة منزل، وقد ولدت سليماً إلا انه عندما بلغ عمري 7 شهور أصبت بارتفاع شديد في درجة الحرارة صاحبها حمى، وعندما أخذتني أمي إلى الطبيب أعطاني علاجاً بالخطأ فاقم آثار المرض، حتى كاد يقضي عليّ بحسب قول الأطباء، إلا أن رحمة الله كانت أوسع، بأن اصطحبتني أمي من مدينتي المحلة إلى القاهرة، وعرضتني بشكل سريع على أطباء معهد شلل الأطفال الذين أسهموا في مواجهة المرض حتى اقتصر على إصابتي بشلل في قدميّ، ولم يدخر أبي وأمي وسعاً، رغم ظروفهما الاقتصادية المتواضعة في أن يعرضاني على أفضل الأطباء لإتمام علاجي، حتى إنه تم إجراء أكثر من 20 عملية جراحية لي طول سنوات حياتي وأحمد الله على ما وصلت إليه الآن .

عاش يوسف طفولته بعد إصابته دون أن يشعر بأنه معاق إلا أن أولى تحديات الإعاقة معه كانت عند دخوله المدرسة الابتدائية، يقول عن ذلك: لم أشعر طوال سنوات طفولتي بأني معاق، كنت ألعب مثل الأطفال العاديين إلا أنه عندما بلغ عمري 6سنوات اصطحبتني أمي إلى أقرب مدرسة ابتدائية كي تقدم أوراقي لألتحق بها، لكن فوجئت أمي برفض ناظر هذه المدرسة قبولي بحجة أنني كسيح ولن أنتظم في الدراسة، وراحت أمي تبحث عن مخرج حتى لجأت إلى أن تقدم لي في إحدى المدارس الخاصة في مدينتنا، وعندما ذهبت أمي إلى هذه المدرسة فوجئت بارتفاع مصاريفها بشكل لا يتناسب مع دخل أبي المتواضع، واستجابت أمي لنصيحة مسؤولة هذه المدرسة بأن تعود إلى المدرسة العامة وتحاول أن تجعل ناظر المدرسة يوافق على إلحاقي، لأنه من حقي أن التحق بهذه المدرسة وهذا ما حدث، فأمام إلحاح أمي على ناظر المدرسة من جديد قبلني على مضض . قضى يوسف سنوات تعليمه الأولى في المرحلة الابتدائية، ومن بعدها الإعدادية تحمله والدته كل صباح على كتفها وتذهب به إلى المدرسة، وداخل فصله كان يوسف نموذجاً للتلميذ المجتهد المتفوق المحبوب، فكان يحصل على ترتيب متقدم على كل أقرانه في النتائج النهائية كل عام، وبعد تفوقه في المرحلة الإعدادية دخل المرحلة الثانوية لتكمل معه والدته المشوار بأن تصحبه كل يوم إلى المدرسة صباحاً، وبعد انتهاء المدرسة تذهب لتحضره أو يساعده بعض أقرانه في العودة إلى البيت .

ونظراً لتفوق يوسف وحبه الشديد للعلم تولدت لديه في هذه الفترة طموحات كبيرة للمستقبل، لم يكن يعلم أن الإعاقة وظروف مرضه سوف تنتصر عليه هذه المرة وتحرمه من تحقيق هذه الطموحات . يقول يوسف: كنت محبوباً في المرحلة الثانوية من أساتذتي جميعاً نظراً لتفوقي وحلمت في هذه السن بأن أصبح طبيباً، كي أسهم في علاج من هم في مثل ظروفي، ومن أجل هذا الحلم صممت على أن ألتحق بالقسم العلمي إلا أن ناظر مدرستي في هذه الفترة رفض رفضاً قاطعاً أن التحق بالقسم العلمي، وهددني إن لم ألتحق بالقسم الأدبي سوف يفصلني من المدرسة، وكانت حجته أني كسيح ولا أقوى على دراسة المواد العلمية وليس لي مستقبل في الكليات العلمية، نظراً لظروف مرضي، وكنت لا أعلم أنّ ما يفعله ليس من حقه، وبعد أسبوع كامل من البكاء رضخت لرغبة ناظر المدرسة والتحقت بالقسم الأدبي عازماً أن أتفوق أيضاً لأصنع لنفسي مستقبلاً أفضل . تحدٍ آخر واجه يوسف في سنوات تعليمه الثانوي، ففي إجازة الصيف وقبل أن يلتحق بالصف الثالث الثانوي ومن ثم يجتهد ليلتحق بالجامعة كان من المقرر أن تجرى له عملية جراحية لإصلاح اعوجاج بالعمود الفقري، ووافق يوسف على إجراء العملية بعد أن أخبره الطبيب أنه مع بداية الدراسة سوف يكون قد شفي تماماً، ويستطيع أن ينتظم في دراسته ويتابع دروسه، إلا أنه حدث ما لم يتوقعه .

يقول يوسف: بعد إجراء العملية فوجئت وعلى غير ما ذكر الأطباء أنني لابد أن أظل في الجبس عاماً كاملاً، وأني لن أستطيع الذهاب إلى المدرسة ولا ليوم واحد، ولأني كنت أشعر أنني لو لم أكمل دراستي سوف أموت، لذلك طلبت من أمي أن تأتي ليّ بالكتب الدراسية وكنت أستذكر دروسي وأنا في السرير طوال العام، ووفقني الله وحصلت على مجموع في الثانوية العامة يمكن أن التحق به بكلية الحقوق أو المعهد الفني التجاري واخترت الأخير رجاء في أن أتفوق فيه وألتحق بكلية التجارة لأصبح محاسباً في المستقبل .

وأثناء سنوات دراسته في المعهد الفني التجاري كانت والدته تصطحبه كل يوم من مدينة المحلة إلى مدينة طنطا التي تبعد عنها نحو 30 كيلو متراً، وحصل يوسف على شهادة المعهد الفني التجاري بتفوق مثل عادته، إلا انه أشفق على والدته لو أكمل دراسته في كلية التجارة، وفضل أن يكتفي بالمعهد فاستكمال الدراسة كان يعني أن تظل الأم في معاناتها في اصطحابه كل يوم إلى الجامعة . بعد تخرجه سعى يوسف إلى أن يجد لنفسه فرصة عمل مناسبة، وأثناء زيارة له ووالدته إلى والده في الشركة التي يعمل بها الوالد قابل رئيس مجلس الإدارة ولم يتردد في أن يطلب منه فرصة عمل كمحاسب، مخبراً إياه بتفوقه في المعهد الفني التجاري، وهو ما قوبل بالترحاب من هذا المسؤول ليأمر بتعيينه فوراً في الشركة كمحاسب، ليجتهد يوسف في هذا العمل بعد ذلك ليصبح الآن على درجة مدير مالي بهذه الشركة، ويوفقه الله ليكمل نصف دينه ويرتبط بزوجته وينجب ولداً وبنتاً . يقول يوسف: كل ما عانيته في حياتي وأعانيه من تجاهل للكثير من الحقوق العامة جعلني أبذل أقصى جهدي في المطالبة بحقوق ذوي الإعاقة، وأن يكون لهم منبراً يوصل صوتهم إلى من بيده تحقيق مطالبهم، وقبل ثورة يناير ولأني لي اهتمامات أدبية وأكتب الشعر، كتبت قصيدة بعنوان جلاد الظلم انتقدت فيها تسلط النظام المصري السابق وفساده ونشرت القصيدة على صفحتي على الفيس بوك، وبعد ساعات من نشرها وجدت صفحتي مغلقة، وعليها رسالة تم إغلاق الصفحة لدواعي الأمن العام، وعندما تداولت مع صديق لي أصم في الأمر أشار عليّ بأن استبدل صفحة الفيس بوك بصفحة على يوتيوب، ومن هنا تولدت فكرة قناة صوتنا، ففكرنا أن ننشئ قناة تلفزيونية على يوتيوب تكون لسان كل ذوي الإعاقة ويقوم على إدارتها والعمل بها فقط ذوو الإعاقة وأطلقنا عليها اسم صوتنا .

خرجت قناة صوتنا للنور في 27 يونيو/حزيران 2010 وتكون فريق العمل بها بشكل أساسي من يوسف مقدم برامج ومعد وصديقه رامز عباس أصم معد ومصور ومخرج، وبعض الأصدقاء من ذوي الإعاقات المختلفة كمعدين ومقدمي برامج .

نشاط يوسف في مجال دعم حقوق ذوي الإعاقات لم يتوقف عند تأسيسه وعمله في قناة صوتنا على الإنترنت، لكنه أيضاً حاول أن يجعل من نفسه أنموذجاً إيجابياً لكل ذوي الإعاقة في المشاركة في الأحداث العامة باعتبار أن ما يهم كل المصريين يهم ذوي الإعاقة بالقطع، لذلك وفي أحداث ثورة يناير كان مشاركاً بشكل يومي في ميدان التحرير حتى إنه عرف بالاسم بين المتظاهرين من فصاحة تعبيره وخصوصية مشاركته، باعتباره معاقاً ويجلس على كرسي متحرك .

نشاطات يوسف لم تقتصر على دعم فئات ذوي الإعاقة، فلأنه يعيش في مدينة المحلة الكبرى أكبر المدن المصرية من حيث عدد المصانع والعاملين في الصناعة، راح يجتهد مع زملائه من العاملين في الشركات والمصانع الكبرى في المحلة للمطالبة بحقوق العمال ودعم مطالبهم المشروعة، ودعماً لهذه الحقوق اقترح على مجموعة من زملائه من العمال إنشاء نقابة مستقلة للعاملين في الصناعات الغذائية من عاملين في المضارب والمخابز والمطاعم ومحال البقالة، وكل من له علاقة بالصناعات الغذائية وبالفعل تم إشهار هذه النقابة، وكانت المفاجأة ليوسف أن اختاره جميع أعضاء النقابة الوليدة رئيساً لها .

يقول يوسف: أسعدني كثيراً هذا الاختيار وكان رسالة لكل ذوي الإعاقة، بأنه لا فرق بينهم وبين غير المعاقين إلا بالمجهود والإخلاص في العمل، ووفقني الله حتى الآن في تأمين مصدر تمويل معقول لهذه النقابة الوليدة، حتى تفي باحتياجات أعضائها، فقمنا باستثمار اشتراكات الأعضاء وموارد أخرى في مشروعات تجارية تدر عائداً على الأعضاء وتدر دخلاً للنقابة ومن هذه المشروعات منفذ لبيع المنتجات الغذائية، وأقوم بمتابعة هذه الأنشطة بنفسي بشكل دوري حتى أضمن نجاح الفكرة .

ورغم النجاحات الكبيرة التي حققها يوسف، لايزال يطمح إلى أن يكلل جهده بالنجاح في مجال تأسيس كيان مؤسسي فاعل ومؤثر لذوي الإعاقة، وعلى مستوى أسرته الصغيرة يطمح يوسف بأن يكمل مشواره في تعليم وتربية ابنيه محمود وأميرة على حب الوطن وخدمة أبنائه، ويتمنى أن يرى اليوم الذي يسمع من ابنيه فخرهما وامتنانهما بأبيهما، مثلما هو ممتن لأبويه، لما بذلاه معه طوال مشوار حياته حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"