عن محاولة تفكيك العراق

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
العراق الواحد هو حلم أبنائه وواقعهم، وهو حلمنا جميعاً نحن العرب الذين لا خير لنا، بل لا بقاء لنا إن لم نكن موحّدين ومدركين لخطر التفكيك. وكان واضحاً من أول يوم لغزو العراق، ومن قبل الغزو أيضاً أن الهدف ليس إسقاط (الديكتاتور) والقضاء على ما سُمي بسلاح الدمار الشامل وإنما تفكيك وحدة هذا البلد وتدمير جيشه القوي تلبية لمخطط صهيوني قديم يرى مُعدّوه أن حماية الكيان المزروع بالقوة في الأرض العربية لن تتحقق إلاَّ بتفكيك الأقطار العربية وتدمير جيوشها، لا سيما العراق وسوريا ومصر، ولتكن البداية من العراق نظراً لما يراه المخططون من ملامح التشظي الطائفي الذي كان قد أصبح خافتاً وتجاوزه الشعب بوعيه واتساع دائرة التعليم وبرهنت أحداث كثيرة ومواقف شعبية يذكرها الأشقاء العراقيون جيداً ويعتزون بها كمنطلق صحيح لبناء عراق قوي ومتقدم.
إن تفكيك العراق ليس نهاية بل البداية لتفكيك بقية الأقطار العربية، وما يحدث في سوريا الآن ليس إلاَّ الخطوة التالية في سلسلة التفكيك الهادفة إلى تمزيق الوطن العربي وتحويله إلى كيانات صغيرة يسهل بلعها أو إلحاقها.
وإذا كان البعض من أبناء هذه الأمة قد وصل بهم اليأس إلى درجة القبول بالمخطط الصهيوني الأمريكي الغربي فإن هناك بالمقابل شعباً عربياً بكامله يرفض المخطط المشار إليه ويؤمن بإمكانية استعادة الصحوة القومية والخروج من نفق المتاهة الراهنة بكل سلبياتها وانكساراتها. ولا مجال للشك في أن العراق العظيم بتاريخه المضيء وما شهدته أرضه من حضارات وإبداع قادر على الصمود في وجه محاولات التفكيك والتفتيت، وقادر أيضاً على أن يستعيد توازنه وإحساسه بأهميته كحارس للبوابة الشرقية من الوطن العربي، وأنه لن يسمح للأعداء والعملاء وتجّار الحروب أن يحققوا أهدافهم على حساب حاضره ومستقبل أجياله.
وكان على الأنظمة العربية أو ما تبقى منها واقفاً على قدميه أن تحول دون تحقيق مخطط التفكيك، وأن يكون لها موقف واضح من الخطوة الأخيرة التي يتخذها أشقاؤنا الأكراد في إعلان دولتهم المستقلة المعزولة، وأن يواصلوا العمل في حدود ما أحرزوه في اتفاقيات الحكم الذاتي وعدم فتح النار على أنفسهم وعلى الشعب العراقي الذي كانوا جزءاً لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي والحضاري عبر القرون. إن الأكراد ليسوا أقلية طائفية أو عرقية ظلت ملحقة بالعراق بل هم جزء من كيانه الجغرافي والوطني، ونجاح مشروعهم الانفصالي يفتح الطريق لتداعيات لا تخص العراق وحده وإنما تتعداه إلى المنطقة كلها، لأن مشروع التفكيك من أساسه عدواني وخارجي ولا يمتلك أدنى مبرر يلحقه بالمشروع الوطني أو يبرر اتخاذه في ظرف دولي محموم وساخن كالظرف الذي نمر به.
وإذا ما تحقق الانفصال -لا سمح الله -ونجح التفكيك في العراق وتحول إلى دويلات أياً كان عددها فإنها ستشهد من الصراع الداخلي ما يجعلها تتمنى العودة إلى ما كانت عليه. وفي هذه الحال لا ينبغي أن يغيب عنّا نموذج جنوب السودان الذي سعى بعض أبنائه إلى الانفصال عن الدولة السودانية فكانت العاقبة ما رأيناه ونراه من صراع دموي تتضاءل أمامه كل الصراعات السابقة التي شهدها هذا الجزء من السودان. ولا ننسى أن ما حدث هناك قابل لأن يتكرر في العراق وفي غيره من البلدان التي تتخلى عن حكمتها وتفقد البوصلة القادرة على تحديد معالم الطريق الصحيح.
د. عبدالعزيز المقالح
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"