تونس بين الأحزاب والمستقلين

03:40 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

بعد أسابيع من المخاض السياسي الصعب، ولدت الحكومة التونسية الجديدة برئاسة الحبيب الجملي دون أن تقنع نسبة كبيرة من الأحزاب والفاعلين بأنها حكومة كفاءات و«مستقلة»، فأغلب ردود الفعل الأولية اعتبرتها غير فاعلة وعاجزة عن التغيير ولن تكون بمستوى التحديات التي تواجهها البلاد، فضلاً عن وصفها بازدواجية الهوية، فظاهرها مستقل، أما حقيقتها فتحالف غير معلن بين «النهضة» الإسلامية وحزب «قلب تونس».
رحلة التشكيل التي قطعتها حكومة الجملي تخللتها معارك ومشاجرات وتسريبات مضادة استمرت إلى لحظة إعلانها، ما يشير إلى وجود أزمة سياسية خانقة وتنافر واسع بين الأحزاب، وهي حالة متوقعة بالنظر إلى نتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت برلماناً غير منسجم ويعاني كتلاً صغيرة لا يمكن أن تتلاقى على رؤية أو منهج أو موقف. وإزاء هذا التشتت يقف رئيس الجمهورية قيس سعيد مراقباً للوضع بما يمتلك من آليات دستورية، ولكنه لا يبدو سعيداً بما جرى في معركة تشكيل الحكومة، لا سيما بعد أن فشل في جمع الكتل الحزبية الكبرى على رؤية واضحة، وسط تسريبات تشير إلى أنه دخل في خلافات مبكرة مع حركة «النهضة» وزعيمها راشد الغنوشي، رئيس البرلمان.
وصحة هذا الخلاف من عدمه، ستتبين في الأيام المقبلة، سواء قبل منح الثقة لحكومة الجملي أو بعد ذلك، وهذا المعطى يرسل إشارات غير مطمئنة بشأن العلاقة بين رئاستي الجمهورية والنواب، وما سينجر عن ذلك من تأزم سياسي سينسحب حتماً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ويفاقم تدهورها.
وقوف حكومة الجملي لن يكون سهلاً أمام البرلمان، فجلسة نيل الثقة في العاشر من هذا الشهر، ستكون أقرب إلى الاستجواب والتحقيق منها إلى مناقشة ما تطرحه من مشاريع، وقد تنتهي دون نيل الثقة، وهو احتمال قائم ويبقى انتفاؤه مرهوناً بنجاح أو فشل الصفقات الجارية بين الأحزاب المختلفة من أجل ضمان النصاب القانوني في التصويت. وقياساً على التجارب التونسية السابقة، فإن منح الثقة للحكومة لن ينهي المشكلة، لأن الأحزاب قد تتوافق على إجازة حكومة الجملي تجنباً لسيناريو إعادة الانتخابات التي ستمنى فيها الأحزاب بخسائر فادحة ولن يكون من بينها «بطل»، أو اللجوء إلى حكومة يشكلها الرئيس الذي لا يبدو راضياً تمام الرضى عن الفريق الوزاري الجديد، وموقفه ستكون له أصداء داخل البرلمان، رغم أنه لا يمتلك حزباً وغير مدعوم من أحد.
إذا فشلت حكومة الجملي في عبور البرلمان، فتلك بداية الطامة، فعندها سيبدأ تقليب الخيارات، وأقلها سوءاً تعديل الفريق الوزاري. أما الذهاب إلى تكليف شخصية جديدة فسيفتح السجال على مصراعيه، ويُضيّع على تونس وقتاً ثميناً لمعالجة ما تراكم من أزمات ونخب سياسية فاشلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"