من أجل تدارك الأخطاء الكردية

02:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا شك أن التقاء دول عديدة في الإقليم وفي العالم على التحفظ الشديد إزاء استفتاء كردستان، يمثل مفاجأة، وخاصة لجهة الموقف السلبي الذي بدا قطعيا تجاه ممارسة شعب من أقدم شعوب المنطقة لحق تقرير المصير. وكانت الولايات المتحدة هي آخر المنضمين إلى جملة المتحفظين والرافضين لهذا التطور، حيث أعلن مؤخراً وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن الولايات المتحدة لا تعترف بالاستفتاء على الاستقلال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان. وقال إن التصويت والنتائج يفتقران إلى الشرعية، علماً أن الولايات المتحدة هي الطرف الدولي الأول الداعم للكيان الكردي.
هذا الواقع الناشىء وتداعياته يثير عدداً من الملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن الأطراف الرافضة والمتحفظة لم تضع أو تطرح أي بديل للاستفتاء. فإذا كان هذا الإجراء غير مناسب من حيث التوقيت مثلا، فمتى يكون التوقيت مناسباً؟. وإذا كانت ممارسة حق تقرير المصير خاطئة، فهل من الأفضل أن يقرر الآخرون مصير شعب ما، بدلاً من الشعب نفسه؟ أجل إن هناك حديثاً عن عراق فيدرالي. لكن الفيدرالية بحاجة إلى حكم مركزي رشيد يحتكم إلى الدستور والقانون والفصل بين السلطات، خلافاً للواقع الحالي حيث الميليشيات تقاسم الدولة الحكم برضا الدولة وبتمويل منها، وما زال طموح نشوء دولة يحكمها القانون وتعتمد مبدأ المواطنة، بعيد المنال.
الملاحظة الثانية: أن عدداً من الدول منها تركيا وإيران بدت وكأنها أقصت اهتماماتها الأخرى، وجعلت الموضوع الكردي يتصدر أجندتها السياسية الداخلية والإقليمية. وأكثر من ذلك فقد بدت الدولتان وكأنهما قد طرحتا كل خلاف بينهما من أجل التجند للتعامل مع المسألة الكردية باعتبار هذه المسألة كما تقول طهران وأنقرة تهدد الأمن القومي لكل من البلدين. فكيف يكون لبلد صغير نسبياً ولم يكتمل إنشاؤه أن يشكل مثل هذا الخطر إزاء دولتين كبيرتين، تملكان موارد هائلة بشرية وطبيعية ومادية لا تقارن بالكيان الكردي؟.
الملاحظة الثالثة: أنه قد بدا للمسؤولين الأكراد وبصورة واضحة وقبل إجراء الاستفتاء أن سائر الأطراف المعنية (وغير المعنية بصورة مباشرة) ترفض الاستفتاء، فلماذا لم يعمد الطرف الكردي إلى تأجيل هذا الإجراء ولو لبضعة أشهر، أملاً في تهدئة حدة الرفض وبانتظار أن تتحسن الظروف ولو نسبياً؟.
الملاحظة الرابعة: أن المسؤولين الأكراد لم يأخذوا بعين الاعتبار حساسية الآخرين تجاه مسألة خلافية مثل كركوك. ومع ذلك تم القفز عن مخاوف الآخرين، وحتى الاستهانة بها وبقدر من الخيلاء، الأمر الذي أثار شكوكا ووسع من جبهة الرافضين. لقد بدا المسؤولون الأكراد مصممين على أن يأخذ الآخرون حقوقهم في الاعتبار، ومقابل ذلك جرى الاستخفاف من طرف حكومة كردستان بحقوق الآخرين في هذه المدينة المختلطة ذات الهويات المتعددة، والتي يصعب حصرها في هوية واحدة.
الملاحظة الخامسة: أنه كان مثيراً للاهتمام والسخط أن أعلاماً «إسرائيلية» قد ارتفعت وسط المحتفلين بالاستفتاء ونتائجه، وهي الأعلام الأجنبية الوحيدة التي ارتفعت إلى جانب العلم الكردي، ولقد انتشرت صور هذه الأعلام بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكلف المسؤولون في حكومة كردستان أنفسهم عناء تفسير ما جرى، وتوضيح مبرر رفع تلك الأعلام. الأمر الذي يثير الريبة من اختراق صهيوني، أو تفاهم ما بين أربيل وتل أبيب. ويعزز هذه الظنون أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمر وزراء حكومته بعدم التعليق على الاستفتاء الكردي، بما يشي بأن هناك ما يجري التكتم حوله بين الجانبين، إلى جانب الرفع العلني لتلك الأعلام!.
بهذا يبدو أن مسؤولي حكومة كردستان بما يتعلق بكركوك، وبالموقف من «تل أبيب» قد ارتكبوا أخطاء كبيرة، وهم ما زالوا في بدء مشروعهم لتحقيق حلمهم. وعليهم تصحيح هذه الأخطاء حتى لا تطبع مسيرتهم في مستقبل الأيام.
وبملاحظة الموقف السلبي الجماعي تقريباً من الاستفتاء، فلا بد لحكومة كردستان أن تتوقف مليا عند هذا الأمر وتستخلص الدروس منه. إذ لا تكفي النزعة الإرادوية لرسم طريق المستقبل، أو لضمان تحقيق نتائج إيجابية. فالآخرون يتوفرون بدورهم على إراداتهم، مع مزايا اكبر يتمتعون بها. وأمام ذلك فإن السبيل الوحيد المتاح أمام حكومة كردستان، هو التوقف عند الاستفتاء، والامتناع عن اتخاذ خطوات أخرى، والإعلان بأن نتيجة الاستفتاء لا تعني الانتقال أوتوماتيكيا أو في الأمد العاجل، نحو اتخاذ تدابير الانفصال عن العراق، وأن هذه التدابير والإجراءات مرهونة بالتفاهم مع دول الإقليم والأصدقاء في العالم، ومنوطة بتغير الموقف من الاستفتاء ونتيجته.
تلك هي الخطوة الوحيدة التي يمكنها نزع «فتيل التوتر» وإعادة الحوار بين أربيل وبقية الأطراف ذات العلاقة.
محمود الريماوي
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"