مؤتمر ميونخ للصراعات

03:34 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يخل مؤتمر ميونخ للأمن من سجالات ساخنة بين مختلف المشاركين حول القضايا الراهنة، والصراعات الخفية، والمرئية، وحاول كل متدخل عرض سياسة بلاده، ومواقفها، هجوماً ودفاعاً، من دون أن يكون هناك توافق على أهم الموضوعات التي تشغل العالم بأجمعه. والاستنتاج الأولي من هذا المؤتمر يشير إلى أن القوى الدولية ذاهبة جولات إلى جديدة من الصراعات، أكثر من ميلها إلى التهدئة والتوافق.
فالولايات المتحدة، والصين، لم تفوّتا هذه الفرصة من دون الخوض في خلافاتهما، وتأكيد كل منهما صواب ما تنتهجه ضد الآخر. وكانت البداية حينما هاجم وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان، مايك بومبيو، ومارك إسبر، بكين، واتهماها بانتهاج «استراتيجية شائنة»، والسعي إلى إقامة «إمبراطورية»، ما أثار غضب وزير الخارجية الصيني، وانج يي، الذي أكد أن «الولايات المتحدة لا تريد أن ترى تنمية سريعة في الصين، ولا تريد أن تقبل بوجود بلد اشتراكي ينجح». ويتجاوز هذا الرد حدود مؤتمر ميونخ، ليندد بتصريحات متواترة لبومبيو يصف فيها الحزب الشيوعي الصيني بأنه «خطر هائل على الغرب»، عاكساً بذلك سياسة أمريكية رسمية استفحلت شدتها مع حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبدأت بالحرب التجارية والصراع في «البحر الجنوبي»، وكوريا الشمالية، مروراً بتصريح القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي السابق، باتريك شانهان، لقادة «البنتاجون»، العام الماضي، حين اعتبر أن التحدي الأكبر لبلاده في المستقبل هو «الصين، ثم الصين، ثم الصين».
ويبدو أن الولايات المتحدة لا تواجه مشكلة الصين فحسب، بل إن علاقتها بأوروبا ليست على ما يرام، في ظل تباين السياسات بين الطرفين، بسبب المواقف المتقلبة لإدارة ترامب. وفي نظر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فإن تصدع التحالف بين ضفتي المحيط الأطلسي ينعكس سلباً على الغرب، ومصالحه، ونفوذه، أمام التمدد المذهل للقوى الأخرى، وفي صدارتها الصين، وروسيا، بينما ذهب الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى أن الولايات المتحدة ترفض «حتى فكرة وجود مجتمع دولي»، وتتحرّك «على حساب الجيران والشركاء». وهذا الاعتراف يصدر عن شعور أوروبي بالمرارة، ويحدد معالم أزمة وجودية فعلية تعبّر عنها النبرة المتشائمة لدى مسؤولين كبار في فرنسا، وألمانيا، ولكنهم رسموا خيطاً من الأمل لإعادة التموضع على الخريطة الدولية، وشرطها عبّر عنه ماكرون بالقول «نحتاج إلى استراتيجية أوروبية تعيد إحياءنا، وتحوّلنا إلى قوة سياسية استراتيجية».
ويكاد يتحول مؤتمر ميونخ للأمن، إلى مؤتمر للصراعات، بفعل ما كشفته تدخلات أغلب المشاركين، إذ طغت القضايا الخلافية على نقاط الالتقاء. ويبدو أن التوجه العام يعزز ثقافة عدم التفاهم والانطواء بعيداً عن منطق التحالفات، والتكافل الإنساني بمفهومه الشامل. وبنظرة استشرافية إلى المستقبل، تتعزز المخاوف من استفحال هذا النهج الذي بدأ أصلاً منذ سنوات قليلة، وما زال يعمل على إعادة رسم خرائط للقوى الدولية على أسس القوة، والبطش، والأنانية القصوى في حفظ المصالح.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"