الهجرة وإشكالات التطرف

04:05 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

أضحت الهجرة واقعاً دولياً استلزم سنّ عدد كبير من التشريعات الوطنية، وإصدار مجموعة من الاتفاقات والمواثيق الإقليمية والدولية، التي تسعى إلى حماية فئات المهاجرين من مختلف التهديدات والمخاطر.

تبرز العديد من التقارير والإحصاءات الصادرة عن المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال الهجرة واللجوء، أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة الظاهرة، في عدد من مناطق العالم، وبخاصة تلك التي تتميز بتباين واضح على المستويين التنموي والاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة لضفتي البحر الأبيض المتوسط.

تتعدّد الإشكالات التي باتت تطرحها الهجرة سواء كانت سرّية أو نظامية، بالنسبة للدول المصدرة أو البلدان المستقبلة، والتي تتنوع بين ما هو سياسي وأمني وثقافي وديني واقتصادي واجتماعي، ما كرّس صورة نمطية عن الظاهرة تربطها بالعنف والتطرف رغم إسهاماتها الحضارية الكبرى تاريخياً، على مستوى تعزيز التواصل والتلاقح بين الشعوب، ونشر الثقافات والديانات والعلوم.

يشهد عالم اليوم مفارقتين كبيرتين، تحيل فيه الأولى إلى تطور التكنولوجيا وما يرافقها من تعزيز للتواصل بين الدول والمؤسسات والأفراد، ودعم لحرية مرور الأفكار والمعلومات والأخبار والبضائع، وتشابك العلاقات الاقتصادية وإلغاء الحواجز الجمركية، وتراجع المفهوم الصارم والتقليدي للسيادة.. فيما تتصل الثانية، بتنامي النزاعات والأزمات سواء على المستوى الداخلي أو فيما بين الدول، وتزايد حجم الهوّة الفاصلة بين شمال مستقر ومتطور، وجنوب يعاني الهشاشة على مختلف الواجهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وبسط القيود الصارمة على تنقّل الأفراد..

يتّصل التطرف بالمغالاة والتشدّد والأُحادية في التفكير والرأي، ورفض القيم المجتمعية، وغالباً ما يقترن بالترويع والإقصاء، ولا يكاد أي مجتمع يخلو من أفراد أو جماعات تحمل أفكاراً متطرفة، تختلف في مضامينها بين ما هو سياسي وديني وثقافي.

إن الحديث عن الهجرة وعلاقتها بالتطرف، يمكن تناوله من عدة زوايا؛ لكننا سنحاول مقاربة الموضوع من ثلاثة جوانب أساسية، الأول، يرتبط بالتيارات المتطرفة في البلدان الغربية التي تنتعش على حساب التهويل من «خطر الهجرة» داخل الدول المستقبلة، والثاني يرتبط بالجاليات المسلمة والعربية المقيمة في عدد من البلدان الغربية، والتي يتورط بعضها في سلوكات لا تخلو من تطرّف وعنف، أما الجانب الثالث، فيتعلق بتلك «الهجرة» التي يراد منها الالتحاق بجماعات متطرّفة في مناطق التوتر والأزمات.

إن المواقف المتطرفة للتيارات اليمينية في الغرب ليست جديدة؛ بل تمتد إلى عقود، وهو ما تؤكده الكثير من الأحداث التي تعرّض خلالها مهاجرون قادمون من بلدان مغاربية وغيرها لتضييقات وعنف من قبل هذه التيارات، كتعبير عن رفض تواجد المهاجرين داخل المجتمعات الأوروبية. وفي هذا السياق، شهدت فرنسا وعدد من الدول الأوربية خلال القرن الماضي مجموعة من الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات والمساجد، وجاءت العملية الإرهابية التي استهدفت أحد المساجد في «نيوزلاندا» في شهر مارس/آذار من عام 2019، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، لتبرز حجم العداء والحقد الذي بات يكنّه المتطرفون للجاليات العربية والمسلمة داخل المجتمعات الغربية..

وجدير بالذكر أن هذه التيارات، عادت بقوة إلى الواجهة الإعلامية والسياسية مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001؛ حيث تصاعدت الخطابات المعادية للمهاجرين وطالبي اللجوء، قبل أن تنتقل الكثير من هذه المواقف إلى سلوكات وسياسات مع وصول المدّ اليميني البرلمانات، وتموقعه داخل الحكومات في عدد من البلدان الأوروبية.. وهو ما نتج عنه تضييق واضح على حريات وحقوق المهاجرين، عكسها تبني إجراءات وتدابير صارمة لا تخلو من مبالغة في استحضار الجوانب الأمنية للهجرة، وإغفال جوانبها الحضارية والإنسانية.

ومنذ ذلك الحين وقضايا الهجرة تهيمن على النقاشات العمومية داخل أوروبا (فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وهولندا وألمانيا..)، مع تزايد نسب المهاجرين في السنوات الأخيرة على المستوى العالمي؛ بسبب تعقّد الأوضاع الاجتماعية والسياسية والأمنية في عدد من المناطق.

كلّما استقرت الأوضاع، وخفّت أصوات التطرف اليميني الأوروبي إزاء المهاجرين، أعادت المواقف المتطرّفة، أو العمليات الإرهابية التي ينفّذها بعض المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية الموضوع إلى نقطة الصفر.

رغم الجهود المبذولة لمحاصرة التطرف والإرهاب في عدد من الأقطار، فإن التحاق عدد من الشباب بجماعات مسلحة داخل أقاليم معروفة بتوتّراتها وعدم استقرارها السياسي والأمني، يطرح أسئلة حارقة بصدد الارتباط الحاصل بين الهجرة والتطرّف؛ من خلال التذرع بحرية التنقل لأجل ارتكاب العنف ونشر الأفكار المتشددة.

وتحت ضغط الهزائم والضغوطات التي تلقّتها الكثير من الجماعات الإرهابية المسلحة التي انتعشت وتمدّدت داخل الأراضي العراقية والسورية في السنوات الأخيرة، طرح بشدة موضوع عودة المقاتلين من هذه البؤر إلى بلدانهم الأصلية في إفريقيا أو أوروبا وآسيا؛ وذلك بالنظر إلى ما يطرحه الأمر من أخطار ومشاكل اجتماعية وسياسية وأمنية. ما جعل الدول المعنية بهذا الموضوع، تتباين من حيث مقارباتها وتعاطيها مع الموضوع، بين توجهات صارمة وصلت حدّ سحب الجنسية والاعتقال، وأخرى فضّلت العمل على إدماجهم داخل المجتمع، وحثهم على مراجعة تصوراتهم المنحرفة، خصوصاً وأنهم تشبعوا بأفكار متطرفة، وخبروا القتال ميدانياً، واكتسبوا خبرات عديدة في مجال التفجير والتزوير، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في هذا الخصوص.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"