تونس.. انتخابات على نار هادئة

03:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

مع حلول يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، فسوف يتم تصعيد ممثلين منتخبين للشعب، وكذلك رئيس جديد للجمهورية بالاقتراع المباشر، بما يزكّي نجاح المسار الديمقراطي والخيار التمثيلي الشعبي.
يعيش التونسيون منذ بداية سبتمبر/أيلول على وقع الاستحقاقات الانتخابية. وذلك لا يعني بالضرورة أنها الشغل الشاغل لهم، فهم منصرفون إلى حياتهم اليومية في المقام الأول، وحيث الحريات الفردية مصانة، مع الخشية من تزايد الصعوبات المعيشية وبقاء مشكلة المتعطلين عن العمل بغير حل (نسبة البطالة تزيد على 15 في المئة، وعدد المتعطلين يفوق 600 ألف). وفي الشأن العام هناك أزمة ثقة بين الجسم القضائي ونقابة المحامين. وهناك الخشية من خلايا إرهابية نائمة ومن ذئاب منفردة بعد جريمة أودت مؤخراً برئيس مركز أمني في بنزرت ( 65 كيلومتراً شمال العاصمة)، وهناك موجات المهاجرين الشرعيين عبر البحر إلى شواطئ المتوسط الأوروبية وبالذات إلى إيطاليا، رغم انخفاض وتيرة هذه الموجة، وتواكبها موجة تسلل مهاجرين إفريقيين إلى بلد أبي القاسم الشابي، ويلحظ المرء وجودهم في شوارع العاصمة من دون أن تتعكر أجواء الأمن.
وحتى بما يتعلق بالانتخابات، فأحد اثنين من المؤهلين للدور الثاني يقبع خلف القضبان (نبيل القروي رجل الأعمال والإعلام)، وذلك في سابقة لا مثيل لها في تاريخ الانتخابات. ويتساءل تونسيون: ماذا لو فاز القروي، فيما الإجراءات القضائية حياله متواصلة، وماذا لو كانت نتائج التحقيق في غير صالحه؟. أما المترشح الثاني قيس سعيّد والذي جاء متقدماً على القروي، فأعرب في مقابلة مع القناة الوطنية التونسية عن عدم ارتياحه للتنافس مع مترشح غير طليق، معرباً في الوقت نفسه عن عدم قدرته على التدخل في مجرى المسار القضائي لغريمه.
وبينما يتطلع التونسيون إلى يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول لحسم الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، فلسوف يسبقه الاستحقاق التشريعي؛ حيث هناك آلاف المترشحين (عددهم 15737 مترشحاً) ضمن المئات من القوائم الانتخابية. ومع الإدراك بأن الانتخابات التشريعية أكثر أهمية من الرئاسية في ظل نظام برلماني، تنبثق فيه السلطة التنفيذية من البرلمان، وتتمتع الحكومة بصلاحيات أوسع من صلاحيات رئاسة الدولة، إلا أن الاهتمام يبقى متوزعاً على الاستحقاقين وإن بقدرٍ من البلبلة!. إذ لم يشهد التوانسة مثل هذا العدد من المترشحين لمجلس النواب الذي يضم 217 مقعداً. ولا يستبعد البعض أن تقع مفاجآت في نتائج التشريعية كما حدث في الرئاسية، التي صعّدت رجلاً في الظل تقريباً هو أستاذ القانون قيس سعيّد.. وهو ما سينعكس على أداء مجلس النواب وعلى تركيبة الحكومة المقبلة. علماً أن هناك سبعة مترشحين خاضوا الانتخابات الرئاسية ولم يحالفهم الحظ قد تقدموا للانتخابات التشريعية، بينهم اليساري منجي الرحوي، والوسطي سليم الرياحي، والدستورية عبير موسي، والكاتب الصافي سعيد. ورغم ذلك فالمحللون السياسيون على قنوات الحوار: التاسعة والحوار التونسي، يشكون من فتور ما زال يكتنف الحملة الانتخابية التشريعية، لأسباب يردونها إلى تشابه الوعود والبرامج، وإلى العدد الكبير للمترشحين الذي يصيب بالدوار! ولأن الاستقطاب الذي شهدته الانتخابات الرئاسية (26 مترشحاً) قد تصعب إعادة تشكيله في الانتخابات التشريعية، وأنه سوف يتخذ اتجاهات أخرى متشعبة في استحقاق 6 أكتوبر، وقد دأبت تونس على اختيار يوم العطلة الأسبوعية (الأحد) موعداً لكل انتخابات. وهذا كله من دون التقليل من أهمية هذه المناسبات التي تطغى على وسائل الإعلام «التقليدية» من صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية، فيما يدور صخب الحملات على منصات التواصل وبالذات «الفيسبوك». ومما يثير الإعجاب أنه فضلاً عن المراقبين الدوليين، فإن هناك أكثر من جهة محلية تراقب مجرى الحملات الانتخابية بصورة احترافية، ويشمل ذلك منصات التواصل. فيما تحظى الهيئة المستقلة للانتخابات وإلى جانبها هيئة ترصد الإعلام المرئي والمسموع بثقة واسعة. وقد تم التعامل مع الطعون في الانتخابات الرئاسية بسرعة قياسية، وهي من الإنجازات المهمة التي حققها التونسيون في بحر العقد الثاني من القرن الحالي، والتي اقتربوا فيها من اعتماد المعايير ذاتها المتبعة في الديمقراطيات المتقدمة.
وفي جميع الأحوال فإنه مع حلول يوم 14 أكتوبر الحالي، فسوف يتم تصعيد ممثلين منتخبين للشعب، وكذلك رئيس جديد للجمهورية بالاقتراع المباشر، بما يزكّي نجاح المسار الديمقراطي والخيار التمثيلي الشعبي، ويبقى أن ينصرف التونسيون ( 12 مليون نسمة) إلى معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بما يوفر الاستقرار السياسي الفعلي، وكما هو الحال في الدول المتقدمة التي تأخذ بخيار التنمية الشاملة، وإحراز التقدم في سائر المجالات بما يلبي الحاجات المادية والروحية معاً، وبما يمنح البلد المعني فرصة الإشعاع الخارجي واجتذاب الاستثمارات والسياحة وسواها، وهو أمر يتمناه المرء لتونس التي نجت من العسف والتطرف والانقلابات العسكرية، وبقي أن تظفر برهاناتها الاقتصادية والاجتماعية في أقصر الآجال الممكنة، وبأقل قدر من المعاناة والتضحيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"