هل يجوز للشرطة تعذيب المتهم؟

04:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
قال لي بعضهم: إن المتهمين في بعض السجون العربية يتعرضون للتعذيب فهل يحق لرجال الشرطة أن يفعلوا بالمتهم ما يشاؤون؟
قلت لهم: إن المسألة تحتاج إلى بيان وتفصيل مع توضيح أهمية عمل الشرطة اليوم ومدى معاناتهم مع كثرة الجرائم، وإلا فربما ظلمناهم في الحكم عليهم.
الشرطة نسبة إلى الشرط وهي العلامات التي تميز زي رجال الشرطة، ولم تكن هذه المهنة بهذه الصفة موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن العمل المجتمعي كان تضامنياً تعاونياً فيما بينهم، وكانوا كالجسد الواحد والبيت الواحد والآية تقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون على المنكر..} (الآية 71 من سورة التوبة).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقطرنه ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضهم على بعض ثم ليعنكم كما لعنهم) (رواه أبو داوود والترمذي).
وعندما توسعت الدولة الإسلامية في عهد عمر رضي الله عنه، وامتلأت المدينة بالوافدين إليها، احتاج الخليفة إلى تنظيم إداري جديد، فاستحدث نظام العسس، وعين أناساً للضرب على أيدي الخارجين على الحق والنظام بكل صرامة.
ومن ثم أنشأ جهاز الشرطة، وفي عهد بني أمية غلب على الشرطة الطابع العسكري، وتوسعت اختصاصاتها في العهد العباسي وقد قال ابن خلدون: «وكان من اختصاصات الشرطة النظر في الجرائم، وإقامة الحدود في الدولة العباسية والأموية بالأندلس والعبيد بمصر والمغرب، وسمي الشرطي بالحاجب ورئيس الشرطة صاحب الشرطة، وبجانب الشرطة كان نظام الحسبة» (انظر دستور المهن في الإسلام - موسوعة إسلامية مبسطة من تأليف عباس حسن الحسيني ص 225-228).
وكان من مهام رجال الشرطة في العصور المختلفة القبض على الجناة والتحري عن المجرمين، وبعد إلقاء القبض عليهم كانوا يحققون معهم ويضيقون الخناق عليهم لمعرفة أين كانوا وقت الحادث؟ ومن المتسبب الحقيقي في الحادث؟
وكانت جلسات التحقيق في القضايا المالية على رؤوس الأشهاد، فكان يجلس صاحب الشرطة وأعوانه بجانبه وكاتب الجلسة يدون الأسئلة والأجوبة في محضر رسمي، ولم يكن الحكم يصدر إلا بعد الاعتراف أو التأكد من ارتكاب الجريمة من دون إكراه.
وفي العهود الأولى من الإسلام كان كاتب الشرطة عارفاً بكتاب الله وأحكامه، وكان يتعامل مع ذوي الهيئات والمروءات بالرفق حتى أن من ضمن تعليمات الوالي له: (أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم).
وقد تعلم الغرب من المسلمين أيام الأندلس، حيث أخذ من المسلمين نظام الحسبة ومراقبة المكاييل والموازين، وبعد انهيار الدولة العثمانية تكالبت العلمانية على بلاد الإسلام، فتحولت إلى بلاد علمانية وتجردت من قيمها بينما أخذ الغرب الكثير من القيم الإسلامية وسماها بأسماء من عنده.
واليوم أصبح المسلمون متهمين في كل الوظائف والمهام بأنهم غير حقانيين، بما في ذلك تعامل الشرطة مع المتهم، في حين أن الفقهاء أقروا مشروعية توقيف المتهم والتحفظ عليه، والغرب أخذ بهذا المبدأ أيضاً، والغاية من التوقيف تبين حال المتهم، والشرطة والمحكمة والنيابة كلها جهات الاختصاص.

والإسلام يعطي الحق للقضاء في أن يحقق مع المتهم لكنه لا يقرّ إذلاله وتعذيبه وإهدار كرامته ولا يجيز تأخير حبسه عما يستحقه، وقد قال المالكية: «إن من سجن غيره بقصد تفويت منفعة عليه ضمنها» والحنابلة قالوا: «من غصب حراً وحبسه فعليه أجرته».

لكن مع ذلك فإن الفقهاء أباحوا الضرب والتعذيب من باب السياسة أي تعذيب الفرد لمصلحة الجماعة، فيضرب متهم واحد ولا يهدد أمن مجتمع بأسره، بل إن الإمام مالك نفسه أجاز ضرب المتهم بالسرقة حتى يعترف، لأن حماية المال العام مقدمة على مصلحة المضروب، وإلى عدم الضرب ذهب الأحناف وبعض الشافعية لاحتمال كون المتهم بريئاً.

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"