أسطورة «نجمة داوود»

04:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. يوسف الحسن

}} قداسة زائفة، موجودة في هذه الزخرفة الهندسية المسماة ب«نجمة داوود». ولا صلة لها بالديانة اليهودية، أو بدرع داوود عليه السلام، أو درع ولده سليمان عليه السلام، ولا أدلة تاريخية أو آثارية أو دينية توراتية تشير إلى أن هذه النجمة السداسية كانت شائعة في زمن أنبياء وملوك بني إسرائيل، ولا حتى لدى قبائل الخزر في منطقة الفولغا السفلى، والتي تهوَّدت في القرن الثامن الميلادي، ودُمِّرت في القرن العاشر، وتشرَّد يهودها في شرق أوروبا وغربها. وشكَّل نَسْلُها أغلبية الجماعات اليهودية المعاصرة.

}} وقد وجدت هذه الزخرفة الهندسية السداسية، في النقوش القديمة الصينية والهندوسية والمصرية، وحضارات أمريكا الجنوبية، كما وجدت في اكتشافات أثرية حديثة، في عمائر إسلامية، ومنها: قلعة الجندي في منطقة رأس سدر بسيناء، وهي القلعة التي بناها صلاح الدين الأيوبي، ووضع النجمة السداسية المزخرفة على مدخل القلعة.

كما ظهرت هذه الزخرفة أيضاً على أواني طعام من الخزف في العصرين الفاطمي والمملوكي.

}} وتتحدث مراجع تاريخية عن معتقدات وثنية قديمة، كانت تدمج الجنس في بعض طقوسها الدينية، مثل: طقوس عشتار وبعل، وأفروديت فينوس وباخوس.. إلخ. واستخدمت في التعبير عن ذلك، رمز المثلثين المتداخلين من حيث الرأس الأول للمثلث المتجه إلى الأعلى، (الذكر)، والرأس الأسفل للمثلث الآخر (الأنثى)، في إشارة إلى اتحاد الذكر والأنثى.
}} وقد استعملت بعض جماعات هندوسية وبوذية الشكل الهندسي للنجمة السداسية للتعبير عن الكون الميتافيزيقي، ماندالا (Mandala)، وتعني في اللغة السنسكريتية الدائرة، وتستخدم للتأمل، وتعني أيضاً طقوساً سحرية وشعوذة، وربما ممارسات صوفية قديمة.

}} من ناحية أخرى تشير بعض المراجع، إلى أن أقدم نسخة من العهد القديم (التوراة)، التي عثر عليها في سان بطرسبيرغ في روسيا، ويرجع تاريخها إلى عام 1010 م، قد ظهر على غلافها الخارجي نجمة سداسية. كما وجدت هذه النجمة في نصوص سحرية بيزنطية في القرون الوسطى الأوروبية، وفي كنائس ألمانية، وحتى في حانات في جنوب ألمانيا.
}} ولعل طائفة المورمون في ولاية يوتاه الأمريكية، هي الطائفة المسيحية الوحيدة، التي تستعمل النجمة السداسية، كرمز للأطروحة التي تؤمن بها والمتعلقة، بما تسميه «قبائل بني إسرائيل الاثنا عشر القديمة»، حيث يعتبر المورمون، أنهم امتداد لهذه القبائل «الإسرائيلية».
}} ويمكن القول، إن استخدام الجماعات اليهودية الأوروبية، للنجمة السداسية، بدأ بالرسوخ اعتباراً من القرن السادس عشر، وكرمز سري للخلاص، من القمع والاضطهاد الذي مارسته الحضارة المسيحية الأوروبية، كنيسةً وحكومات، وأخذ هذا الرمز، يكتسب إيحاءات دينية، وتشير بعض المراجع إلى أن يهود مدينة براغ، قد رفعوا أعلاماً تحمل النجمة السداسية، لتمييزهم عن غيرهم من سكان براغ، في منتصف القرن السابع عشر.
}} ومع مرور الوقت، انتشر هذا الرمز في زخارف المعابد اليهودية، لكنه لم يتحول إلى رمز ديني يهودي، إلا بتأثير المسيحية، وتقليداً لها، وخاصة، حينما أخذت الجماعات اليهودية في أوروبا، تبحث عن رمز لها، يكون مقابلاً لرمز المسيحية (الصليب)، الذي كانوا يجدونه في كل مكان.
}} وحينما بدأت حركة بناء المعابد اليهودية، على أسس معمارية حديثة، اتبع المهندسون المعماريون، وفي أغلبهم كانوا مسيحيين، الطرز المعمارية نفسها المتبعة في الكنائس، فأدخلوا النجمة السداسية والشمعدان، وبدأت النجمة تظهر على الأواني المستخدمة في الاحتفالات الدينية اليهودية.
}} وحينما ظهرت الحركة الصهيونية، في أواخر القرن التاسع عشر، تبنَّت النجمة السداسية، رمزاً لها، وكان ذلك في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في بازل بسويسرا في عام 1897.
}} وقد سبق هذا المؤتمر، أن تبنت عائلة روتشيلد في النمسا، في عام 1882، النجمة السداسية، كرمز دالٍ على هذه العائلة، بعد أن أصبح بعض أعضاء هذه العائلة الثرية من النبلاء.
}} وبذلك، بدأت هذه النجمة، تأخذ مكانتها عند الجماعات اليهودية في العالم، بعضهم رأى فيها درع داوود عليه السلام، وادّعى أن الدرع كانت ملفوفة بشرائط من الجلد، على هيئة نجمة سداسية، وبعضهم، تصورها تعبيراً عن أيام الأسبوع الستة، أما المركز السابع، فهو يوم السبت.
}} وعندما أقيمت «إسرائيل» في عام 1948، عارض معظم زعماء اليهود فكرة اختيار النجمة السداسية شعاراً للدولة، وأرادوا وضع مينورا (Menorah) وهو الشمعدان كشعار للدولة، لكن رأي بن غوريون وعصابات الصهيونية، كان مع اختيار النجمة السداسية، ولعل هؤلاء الصهاينة، كانوا بذلك يستحضرون من ذاكراتهم، كيف كانت ألمانيا النازية، تجبر الجماعات اليهودية على وضع شارة صفراء، على شكل نجمة سداسية، على ملابس أفرادها، بغية التعرف إلى اليهود.

}} اليوم.. فقد هذا الزخرف الأندلسي العربي، بشكله السداسي المجرد، براءته الزخرفية، واكتسب مضموناً دنيوياً سياسياً، ولا يحمل في معناه وتاريخيته ومرجعيته، أي مضمون ديني محدد.
}} وقد عذرت تلك السيدة العربية، التي جاءتني ذات يوم قريب، وهي غاضبة، حينما لمحت النجمة السداسية تتدلى من عنق فتاة أوروبية، ترغب في المشاركة في أنشطة ثقافية واجتماعية في الإمارات.

ورويت لها معرفتي بهذه الإشكالية،... وشرحت لها أن هذا الرمز ليس فيه قداسة لليهودية كدين، ولا يشبه رمزية (الصليب) في الديانة النصرانية.

}} النجمة السداسية.. هي باختصار تعبر وتجسد فكرة قداسة اليهود، كجماعات بشرية، ......
}} وأضافت السيدة العربية قائلة،.... تقصد قداسة «إسرائيل».. أليس كذلك؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"