في حساب تكاليف الكراهية

03:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
سمعة الولايات المتحدة التي تضررت لا تمثل الخسارة الوحيدة التي تكبدها الأمريكيون بسبب قرارات الرئيس ترامب بحظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية وتقييد الهجرة والتضييق على المهاجرين. الاقتصاد أيضا سيدفع ثمناً باهظاً لهذه المواقف المسكونة بالكراهية.
الذين تظاهروا في المدن الأمريكية رفضاً لقرارات ترامب أزعجهم انقلابه على مبادئ الحرية والمساواة ونبذ التمييز بين البشر على أساس معتقداتهم أو لونهم أو أصولهم العرقية. إلا أن هناك آخرين شعروا بالقلق ليس خوفاً على القيم الأمريكية ولكن من منطلق براغماتي بحت يأخذ في اعتباره المصالح الاقتصادية قبل أي شيء آخر.
وفقا لحسابات هؤلاء فإن تقييد الهجرة وحظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية ليس في مصلحة الاقتصاد الأمريكي وسيؤدي إلى خسائر فادحة. وقد تنبه إلى هذه الحقيقة مبكراً مجلس العلاقات الخارجية، أحد مراكز الأبحاث المهمة، حيث أصدر تقريراً خلال الشهر الماضي حذر فيه من التأثيرات السلبية على الاقتصاد إذا قيض لقرارات ترامب أن ترى النور. كما نبه التقرير إلى دراسة موسعة عن نفس الموضوع أجراها ثلاثة من باحثي المجلس ونشرت في أكتوبر من العام الماضي خلال الحملة الانتخابية، وبعد أن أعلن ترامب نيته حظر دخول المسلمين.
قدر الباحثون حجم الخسائر المباشرة في قطاعات السفر والسياحة والتعليم في حالة حظر دخول مواطني الدول الإسلامية بما يتراوح بين 14 إلى 30 مليار دولار. وعند إضافة التأثيرات غير المباشرة نتيجة تراجع الإنفاق العام للزوار الأجانب فمن المتوقع أن تقفز الخسائر إلى ما بين 31 إلى 66 مليار دولار سنويا. يضاف إلى ذلك فقد ما بين 50600 وظيفة إلى 132 ألف وظيفة للعاملين في القطاعات الثلاثة.
السبب في التباعد الواضح بين الحدين الأدنى والأقصى لتقديرات الخسائر في الدراسة هو أن الباحثين اعتمدوا في حساباتهم على نموذجين مختلفين للقياس وصولا لتحديد الخسائر المتوقعة. استند النموذج الأول إلى بيانات مكتب التحليل الاقتصادي لوزارة التجارة عن عدد وإنفاق السياح القادمين من بلدان إسلامية ونسبة ذلك إلى حركة السياحة الوافدة ككل. وبناء على هذا توقعوا أن يسفر حظر دخول المسلمين عن انخفاض عدد السياح بنحو 4,5 مليون زائر سنويا. وبالتالي خسارة سنوية تقدر بنحو عشرة مليارات دولار. يشار إلى أن أمريكا استقبلت في 2015 نحو 77,5 مليون زائر أنفقوا 246,2 مليار دولار للحصول على سلع وخدمات، أي بنسبة 11% من الصادرات الأمريكية. وتعني هذه الأرقام أن مبيعات السفر والسياحة من السلع والخدمات تمثل ثاني أكبر مصدر للصادرات الأمريكية بعد مبيعات معدات النقل وقبل الكمبيوتر والالكترونيات.
أسلوب القياس الثاني الذي استخدمه الباحثون لحساب الخسائر المتوقعة استرشد بالخسائر الناجمة عن تقييد منح التأشيرات بعد هجمات سبتمبر 2001. وبسبب تلك القيود، وحتى بعد تخفيفها، استمر التراجع في أعداد الزائرين الأجانب إلى نهاية العقد. لذلك يطلق على هذه الفترة اسم «العقد الضائع». وخلال هذه الفترة خسرت أمريكا نحو 68 مليون سائح وحوالي 500 مليار دولار. وقياسا على معطيات تلك التجربة الأليمة يتوقع الباحثون حاليا تراجع عدد السياح بنحو 9,3 مليون سائح سنويا، أي ضعف التقدير الوارد في النموذج الأول للقياس، وبالتالي انخفاض العائدات بنحو 12,5% أي 29,5 مليار دولار سنويا.
يضاف إلى ذلك خسائر قطاع التعليم بالنظر إلى وجود ما يزيد على 974 ألف طالب أجنبي يتجاوز إنفاقهم السنوي 30 مليار دولار وفقا لتقديرات 2015. وفي حالة وجود حظر على القادمين من الدول الإسلامية ستكون الخسائر بحدود 15% من جملة الإنفاق. وتشمل تقديرات الخسائر الانفاق على الإعاشة والسفر والتعليم وعائدات الضرائب.
بالطبع لم يلتفت ترامب إلى هذا الجانب الاقتصادي المرتبط بقراراته. وربما تنبه إليه وتجاهله استسلاما لرغبة جامحة في إعلان حرب نتيجتها الوحيدة هي خروج كل أطرافها خاسرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"