جونسون.. منكود الطالع

03:51 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

ربما لم يمر على بريطانيا رئيس وزراء تلقى ضربات متسارعة في وقت قياسي مثل بوريس جونسون، فهذا الرجل الذي سعى إلى المنصب التنفيذي الأعلى في المملكة المتحدة بشحنة كبيرة من العناد والمكابرة، يبدو أن بقية عهدته ستكون ملغومة بالأزمات، وقد يضطر في النهاية إلى ترك منصبه، عبر الصندوق أو الاستقالة، دون أن يحقق شيئاً مما تعهد به.
بسبب تشدده في ملف الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، خسر جونسون خلال أيام قليلة التصويت لصالحه في ثلاث مناسبات، وذلك بعد انشقاق 21 نائباً محافظاً وتصويتهم إلى جانب نواب المعارضة. وبعدما دخل في مواجهة مفتوحة مع أقطاب حزبه المحافظين، وفشل في الدعوة إلى انتخابات مبكرة، بدأت حكومته تنهار في ظل ضغوط كبيرة تفرضها أجندة «بريكست» الذي يفترض أن يتم نهاية الشهر المقبل إذا لم يتم التمديد. لقد تعهد جونسون بالخروج في موعده نهاية الشهر المقبل، باتفاق أو من دونه، ولكن أغلبية النخب السياسية البريطانية غير راضية عن هذا التوجه، بعد أن أقر مجلس العموم طلب تأجيل «بريكست» إلى 31 يناير المقبل حال عدم التوصل إلى اتفاق.
بعض المراقبين البريطانيين يقرعون ناقوس الخطر، ويرون أن سياسة جونسون المتهورة ربما تجر كارثة على المملكة المتحدة، فمقابل تشدده، بدأت لغة الأوروبيين تميل إلى التصلب. وقد قالها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان صريحة «فليتحمل البريطانيون مسؤولية وضعهم. يجب أن يقولوا لنا ماذا يريدون». وفعلاً أصبح المشهد السياسي البريطاني يثير السخرية بين إرادة شعبية في استفتاء لصالح «بريكست»، وسلطة تنفيذية لم تعرف بعد كيف تنفذ هذه الإرادة وعجزت عن إيجاد الوسائل الكفيلة لحماية مصالحها العليا من الأضرار المتوقعة. وقد تكون رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي محظوظة عندما تركت السلطة بعد فشلها المتكرر في إيجاد توافق داخلي. كما سعت إلى تنزيه نفسها عما يمكن أن يترتب عن أي سوء إدارة لأزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي المرحلة التي سبقت استقالتها في يونيو الماضي، خاضت ماي معارك قوية في البرلمان، حتى لم يعد بين يديها ما تقدمه، وسط هجمات عنيفة من المعارضة ورأس حربتها زعيم العمال جيرمي كوربن الذي يعتبر أن أي خروج فوضوي سيكون سياسة متهورة تجلب آثاراً مدمرة منها نقص الغذاء والدواء والوقود ويلحق بالغ الضرر بالاقتصاد. وبنظر متابعين كثيرين فإن جونسون مازال يكرر خطابات ماي، ولم يقنع إلا بعض المقربين منه بطروحاته، بينما تلوح في الأفق مؤشرات سيئة بعضها يهدد وحدة المملكة المتحدة، مثل اسكتلندا التي تلوّح بإمكانية الاستقلال.
الأسابيع القليلة، التي قضاها جونسون في «10داونينج ستريت»، لم تسعفه بأن يبدو رجل بريطانيا القوي. ورغم محاولته الفاشلة أن يتشبه بالزعيم التاريخي وينستون تشرشل، لم يستطع حتى أن يحاكي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليبقى وحده، منكود الطالع، لا يتفرد بشيء بانتظار مفاجآت ما تدخل لإنهاء الأزمة البريطانية الضارية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"