شكوك حول الانسحاب الأمريكي من سوريا

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
فينيان كانينجهام *

تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه السنوي حول حالة الإتحاد (أمام الكونجرس) يوم 5 فبراير/ شباط عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولكنه لم يكن مقنعاً.
جاء خطاب ترامب في وقت يكثف الكونجرس و»البنتاجون» جهودهما وضغوطهما من أجل إبقاء الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط.
وكرر ترامب في خطابه تأكيده أن تنظيم «داعش» الإرهابي قد هزم، واعتبر ذلك إنجازاً أمريكياً كبيراً. ولكن تأكيدات ترامب لا تستند إلى وقائع. فعندما أعلن فجأة في 19 ديسمبر/ كانون الأول قراره بسحب نحو 2000 جندي أمريكي من سوريا ، بدا واضحاً أن إعلانه كان ملتبساً وغير قاطع. فهو تحدث عن هذا الموضوع بإيجاز، الأمر الذي يبدو غريباً، لأن «هزيمة داعش» يفترض أن تكون «نصراً تاريخياً» لرئاسته.
علاوة على ذلك، لم تظهر على الأرض مؤشرات على أن الانسحاب سيحدث بالفعل. بل إن وسائل إعلام تركية تحدثت عن تعزيزات عسكرية أمريكية تتجه من العراق الى سوريا - ولو أن مثل هذه التعزيزات يمكن أن تهدف الى ضمان انسحاب آمن للقوات الأمريكية من سوريا. واللافت للنظر هو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدث بلهجة انتقادية عن عدم رصد أي تحركات للقوات الأمريكية في سوريا توحي بأنها تستعد للانسحاب .
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً، أعرب عن شكوكه بشأن انسحاب أمريكي من سوريا، إذ علق على إعلان ترامب في ديسمبر/ كانون الأول بالقول إنه «غير مقتنع».
وفي الولايات المتحدة ذاتها، بدا قبيل خطاب ترامب أن «البنتاجون» والأعضاء الجمهوريين في الكونجرس يكثفون جهودهم من أجل ضمان بقاء القوات العسكرية الأمريكية في سوريا. وقبل ساعات فقط من إلقاء ترامب خطابه، قال الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية (القيادة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط) في شهادة أمام مجلس الشيوخ إن «تنظيم «داعش» يمثل تهديداً إرهابياً مستمراً في سوريا والعراق». وحذر فوتيل بالقول انه «لا بد لنا من مواصلة الضغط على هذه الشبكة» (داعش).
وقبل ساعات أيضاً من خطاب ترامب، كان مجلس الشيوخ الأمريكي (ذو الأغلبية الجمهورية) صوّت بأكثرية كبيرة على مشروع قانون يمنع أي انسحاب مفاجئ ومتسرع للقوات الأمريكية من سوريا، أو أفغانستان. ويبدو من المؤكد أيضاً أن يتبنى مجلس النواب (ذو الأغلبية الديمقراطية) مشروع قانون مماثلاً.
وبعد أيام فقط، من خطاب ترامب، تسرب الى وسائل إعلام أمريكية تقرير سري «للبنتاجون» يحذر من «استعادة تنظيم «داعش» لقوته في غضون ستة الى اثني عشر أسبوعاً»، بعد توقف القوات الأمريكية عن التصدي بثبات للإرهاب. وتحدث التقرير عن أهداف أخرى (إضافة الى هزيمة الإرهابيين) للقوات الأمريكية في سوريا، بما فيها «إزالة أسلحة الدمار الشامل»، و»التصدي لقوات مدعومة من إيران».
وإشارة التقرير الى «أسلحة الدمار الشامل» تستهدف بالتأكيد الأسلحة الكيماوية التي اتهمت الولايات المتحدة القوات السورية باستخدامها ضد قوات المعارضة. أما الإشارة المبهمة الى «التصدي لقوات مدعومة من إيران»، فهي دليل إضافي على أن «البنتاجون» تريد الاحتفاظ بقوات أمريكية في سوريا.
وفي جميع الأحوال، حتى موقف ترامب الشخصي بشأن الانسحاب العسكري من سوريا لا يعني «عودة القوات الأمريكية الى الوطن». ففي 3 فبراير/ شباط، كشف ترامب في مقابلة مع شبكة التلفزة الأمريكية «سي بي إس»، أن قسماً كبيراً من القوات التي قال إنها ستنسحب من سوريا سوف «تعيد انتشارها» في قواعد أمريكية في العراق - ملمحاً الى القاعدة العسكرية العراقية الضخمة في عين الأسد (غرب العراق)، حيث يتمركز أيضاً مئات من جنود الجيش الأمريكي (في مهمة لتدريب قوات عراقية). وقال ترامب أيضاً في المقابلة إن القوات الأمريكية في العراق «تراقب إيران»، كما تراقب المنطقة كلها من أجل حماية المصالح الأمريكية. إضافة الى ذلك، قال ترامب إن الجيش الأمريكي سيبقى (في العراق) «من أجل حماية إسرائيل».
وقد أثارت تصريحات ترامب هذه غضباً عارماً في العراق ، واعتبرها الرئيس العراقي برهم صالح «غير مقبولة».
ويقدر أن نحو 5 آلاف جندي أمريكي موجودون في العراق، إضافة الى أعداد كبيرة من «متعاقدين أمنيين» يعملون لدى شركات خاصة (تنفذ مشاريع للجيش الأمريكي).
وكل هذه المعطيات تشير الى أن القوات الأمريكية التي يقول ترامب إنها سوف تنسحب من سوريا وأفغانستان لن تعود الى الولايات المتحدة ، بل إن سحب قوات أمريكية من هذين البلدين ليس سوى إجراء في إطار إعادة انتشار للقوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط .

* صحفي بريطاني يكتب حول الشؤون الدولية - موقع «إنفورميشن كليرينج هاوس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"