الجزائر والمغرب وإعلامهما السلبي

03:22 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا تزال حالة البرود تطبع العلاقات بين المغرب والجزائر منذ أوائل العقد الماضي. وإذا كانت هذه الحالة قد تراجعت حيناً لتبشر بعودة الدفء إلى تلك العلاقات فإنها في أكثر الأحيان كانت تنذر بالتوتر الشديد ولاسيما بعد صيف 1994 الذي قرر فيه الجزائريون إغلاق حدودهم البرية مع المغرب احتجاجاً على الاتهامات التي أطلقها وزير داخلية هذا الأخير بوقوف الأمن العسكري الجزائري وراء اعتداءات استهدفت أحد فنادق مراكش في ذلك الصيف.

وإذا كان المسؤولون الجزائريون والمغاربة على السواء قد تجنبوا، في أغلب الحالات، الاندفاع وراء التصريحات التحريضية والاستفزازية، فإن الإعلام في البلدين، وخاصة منه الإعلام المكتوب، لم يتورع، في الكثير من الحالات، عن صب الزيت على النار، ولم يتردد في توتير الأجواء، وفي الإساءة إلى الأواصر التي تربط الشعبين، وإلى الآمال المستقبلية التي يواصلان، عن حق، التعلق بها.

فالصحف الجزائرية التي ازدهرت في عهد التعددية دافعت عن قرار إغلاق الحدود البرية الجزائرية معه، وفي تبرير هذا الإغلاق باعتباره حماية للجزائر من جارها الغربي الذي لا تأتي منه غير المصائب متمثلة في الأسلحة المهربة إلى الإرهابيين، وفي المخدرات الموجهة لتدمير عقول الشباب!

أما الصحف المغربية فانتقدت ما اعتبرته مصادرة للانتصار الانتخابي الكبير الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأول من الانتخابات التشريعية الجزائرية في نهاية ،1991 وسايرت جوقة المشككين في المنفذين الحقيقيين للأعمال الإرهابية المدوية التي ذهب ضحيتها المدنيون الجزائريون العزل، وأبيدت بفعلها أحياناً قرى بأكملها. وقد تجاوز الأمر التشكيك في بعض الأحيان حين رددت صحف مغربية ما كانت تروجه أوساط فرنسية تتهم القوات العمومية الجزائرية بالضلوع في الأعمال الإرهابية البربرية بدعوى تسويد صورة المقاتلين الإسلاميين.

ولا يبدو أن معظم المهاترات التي سقط فيها الإعلام المكتوب الجزائري والمغربي كانت من دفع أو إيحاء المسؤولين الرئيسيين في البلدين، بقدر ما كانت من تأثير العلاقات الباردة أو المتوترة بين هذين الأخيرين من جهة، مضافة إليه بعض الأحكام المسبقة والجاهزة والتظاهر بالوطنية الزائدة عن اللزوم فضلاً عن الجهل والاستهانة والتسرع.

ولعل ما سقطت فيه صحيفتان مغربيتان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر ابريل/نيسان الجاري عندما تناولتا جزءاً من حديث أدلى به الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة إلى صحيفة الوطن القطرية في بداية الأسبوع الماضي، يقدم عينة من عينات الأحكام الجاهزة والمتسرعة القائمة على عدم استيعاب الموقفين الحقيقيين الجزائري والمغربي من النهج الذي يتعين اعتماده لمعالجة الخلافات التي تحول دون تطبيع حقيقي للعلاقات بينهما، ودون تنمية التعاون بينهما، ودون تفعيل اتحاد المغرب العربي.

ولا يتعلق الأمر بصحيفتين مغربيتين هامشيتين، بل يتعلق الأمر أولاً بيومية الاتحاد الاشتراكي الناطقة باسم الحزب الذي يحمل ذات الاسم، والذي قاد المعارضة التقدمية منذ بداية ستينات القرن الماضي، وقاد أول حكومة للتناوب سنة ،1998 ويتعلق الأمر ثانياً بيومية الأحداث المغربية، وهي صحيفة مستقلة وتقدمية تصدرت مبيعات الصحف في سنوات سابقة.

وتوصلت الصحيفتان سالفتا الذكر إلى خلاصتين متناقضتين من قراءتهما لما أدلى به بو تفليقة إلى الصحيفة القطرية. تقول خلاصة الاتحاد الاشتراكي إن الرئيس الجزائري أقدم على تراجع مثير، وإنه أبدى استعداده لتطوير العلاقات مع المغرب. وتقول خلاصة الأحداث المغربية إن بو تفليقة يقضي على أي أمل في تطبيع العلاقات مع المغرب.

والحقيقة أن حديث بو تفليقة إلى الصحيفة القطرية جاء دقيقاً، ويبدو أنه كان رداً مكتوباً على أسئلة مكتوبة تناولت مختلف جوانب الوضع الجزائري السياسي والاقتصادي وعلاقات الجزائر بالدول المغاربية ومنها المغرب، إضافة إلى مواقف الجزائر من القضايا العربية، وعلاقتها بفرنسا، ودورها في إفريقيا. وخصص الرئيس الجزائري للحديث عن علاقات بلاده بالمغرب، كلمات قليلة سجل فيها أن هذه العلاقات رهينة جمود ولم يحمّل هذا الجمود لأي طرف، واعترف بأن الجزائر وحدها غير قادرة على تحريك الجمود المذكور، ولكنه جدّد من جهة ثانية، استعداد بلاده لتطوير علاقات التعاون مع المغرب وترك معالجة مسألة تقرير مصير الصحراء الغربية لمنظمة الأمم المتحدة.

ويتضح أن الرئيس الجزائري لم يقدم على أي تراجع يذكر، ولم يغير في شيء الموقف الجزائري الداعي إلى استئناف التعاون مع المغرب في مختلف المجالات، وإبعاد قضية الصحراء عن المناقشة. ويستند هذا الموقف من الناحية الشكلية على الأقل، إلى ما دأبت القيادة الجزائرية على ترديده منذ سنوات طويلة حين تقول، إن الخلاف بصدد تلك القضية هو خلاف بين جبهة البوليساريو والمغرب وليس بين هذا الأخير والجزائر.

والمؤكد أن الجزائر ظلت متمسكة بهذا النهج، ورفضت على الدوام إدراج قضية الصحراء ضمن خلافاتها المباشرة مع المغرب، ورفضت كذلك إدراج تلك القضية في أية مباحثات لتسوية تلك الخلافات.

وإذا كان ما أدلى به الرئيس بو تفليقة لا يتضمن أي جديد مثير أو غير مثير في الموقف الجزائري تجاه الخلافات مع المغرب، فإن الجديد هو ما تضمنه الموقف المغربي المعلن عنه في بيان الخارجية الصادر في العشرين من شهر مارس/ آذار المنصرم عندما دعا إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب والجزائر، ونادى هذه الأخيرة إلى فتح حدودها مع المغرب. وتجنب ربط تحسن العلاقات بين البلدين بمعالجة كافة الخلافات ومن أهمها الخلاف المتعلق بقضية الصحراء.

وكيفما كان الأمر، فإن ما ذهبت إليه الأحداث المغربية عندما زعمت أن الرئيس الجزائري يقضي على أي أمل في تطبيع علاقات بلاده مع المغرب، لا يستند إلى ما يؤيده في الحديث الصحافي لبو تفليقة، ولا يفيد لا المغرب ولا الجزائر.

* كاتب مغربي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"