أية رواية سنقرأ هذه الأيام؟

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. يوسف الحسن

في المؤتمر العام السادس والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي عقد قبل أسبوعين في أبوظبي طرحت أمام المشاركين أسئلة مشاكسة، تتجاوز مسألة إشكالية المفاهيم في قضايا الحريات وحقوق الإنسان، وهي المسألة التي كانت مطروحة في ندوة المؤتمر.
تساءلت عن مدى مسؤولياتنا كأدباء وكتاب عما جرى ويجري في وطننا العربي من فوضى واقتتال وخيبات وبلاءات واستنزاف وإرهاب يغمر الأوطان، وتدمير غير مسبوق للمجتمعات والأوطان والدول؟
هو سؤال صعب لكن لا مهرب لأديب أو كاتب من الإجابة عنه أخلاقياً على الأقل، وتمنيت أن نملك شجاعة النقد والمراجعة، لا بهدف جلد الذات، وتصفية حسابات خاصة بين حملة القلم وإنما هي ضرورة لبناء المستقبل.
وعاتبني صديق وهو يقول: «كأنك تحمل النخبة المثقفة هذه المقتلة الجماعية الممتدة والعابرة للحدود»، قلت له يا صديقي أنا أصف المشهد الراهن، وكيف تؤثر وتحكم فيه «نخبة» جديدة لم يعد يهم أن تكون «مثقفة» أم غير «مثقفة»، «مافيا» مال أو إعلام أو مواقع تواصل اجتماعي، أو أنصاف كتاب أو أنصاف علماء وفقهاء وعرافون تحت الطلب، لكنها نخبة «نجوم سحرية» سطت على المشهد الراهن وتسيدته وضاعت الحقيقة والمهنية، وأخذت المستمع أو القارئ والمشاهد إلى ضفاف الكراهية والهويات الفرعية وتمزيق الأوصال المجتمعية وإلى مقتلة دمها غزير.
تساءلت في حديثي عن مدى صلاحية هذه التركيبة «المثقفة» التي نقرأ لها أو نشاهدها على الفضائيات، لتعزيز الحريات وحقوق الإنسان، وبخاصة حق الحياة؟ وهل تصلح لبناء مشروع ثقافة جديدة، وأدب جديد، وشعر جديد، ومعرفة سياسية جديدة للمستقبل؟
تذكرت أن روسيا تحتل هذا العام بسنة الأدب، من خلال تعميم قراءة رواية تولستوي الشهيرة «الحرب والسلام» ملايين الروس يعيدون الآن قراءة هذه التحفة الأدبية في المدارس والمسارح والساحات والتلفزة واليوتيوب.. الخ.
يسترجعون ذكرى اجتياح نابليون بلادهم في مطلع القرن التاسع عشر، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، أمرت الحكومة الروسية بتوزيع مئات الآلاف من نسخ هذه الرواية على المواطنين الروس لتحريضهم على الصمود والحماسة في مواجهة الغزاة الألمان.
الشعب الروسي على مر العصور يقرأ هذه الرواية العظيمة التي جسدت النزعة الإنسانية والوطنية، واحترام المساواة والكرامة بين الشعوب، وقدمت روسيا القيصرية بأمرائها ونبلائها وأسرارها وشؤونها «نحو ألفي صفحة» ونادت باحترام التعدد والاختلاف، ودعت إلى البحث عن معاني الخير والجمال، فضلاً عن الحقيقة التي يجب أن تفرض بلا عنف.
وتساءلت: في عام القراءة في وطننا، أي كتاب أو رواية عربية نطرحها أمام الشباب لقراءتها لتعينهم على مواجهة هذه الشقوق والبلاءات الراهنة، وعلى الصمود في وجه هذه الفتنة والعاصفة المدمرة لروح الإنسان؟
من المؤكد أنه لا يمكن تطوير مجتمعاتنا العربية من دون تربية على قيم حقوق الإنسان، وثقافة حقوق الإنسان من دون تدريب الإنسان بحرية على أسس العمل التعبيري والحقوقي والسياسي والاجتماعي، والمساءلة والمسؤولية المجتمعية والوطنية.
النخب المثقفة والمبدعة، عليها أن تفكر بطرق وبأدوات وآليات جديدة تجمع ما بين الحريات والحقوق، وبين الآليات الضامنة لكل أطراف المجتمع، ضمن دولة القانون العادلة.
ولنتذكر دائماً، أن كل هذه الثقافة التي بين أيدينا اليوم وننتفع بها لم تنتجها سوى أوضاع وعلاقات قائمة على الحرية والإبداع والشفافية والمعرفة والعقل النقدي.
لا تكفي الصكوك والمواثيق الإقليمية والدولية ولا حتى الدستورية الوطنية، لحل إشكالية المفاهيم في قضايا الحرية وحقوق الإنسان، إنما الأصل يقع في حقيقته في تفاعل هذه الوثائق مع القضايا الجوهرية التي تشغل حال الأوطان (مثل التحديث- سيادة حكم القانون- المواطنة المتساوية- مأسسة العلاقة بين السلطة والمجتمع- تطوير مؤسسات المجتمع المدني- إنجاز تنمية متوازنة ومستدامة- تأمين المواطن من الخوف والفاقة... الخ).
إضافة إلى ذلك، فإن الأساس يكمن أيضاً في الممارسة حيث في بعض الأحيان لا تلقى الحريات الأساسية وحقوق الإنسان الاحترام الكامل، رغم هذا الكم الهائل من المواثيق والعهود الدولية، فضلاً عن الإحجام عن قبول بعض المعايير الدولية، ومنازعة صفتها العالمية أو تجزئة هذه المعايير وإعطاء أسبقية لبعضها دون الآخر، أو الكيل بمكيالين أو خضوعها لاعتبارات سياسية.
إن نوعية التعليم والثقافة والأدب هي التي ستحدد في المستقبل إمكان التخلص من ثقافة العنف وانتهاك حقوق الإنسان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"