عادي
كاميل بيسارو عميد الرسامين الانطباعيين

«امرأتان على الشاطئ».. لوحة الدفء البشري

01:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
كاميل بيسارو
فتاتان بجانب البحر

الشارقة: عثمان حسن

جاكوب أبراهام كاميل بيسارو (10 يوليو/ تموز 1830 - 13 نوفمبر/ نشرين الثاني 1903)، رسام انطباعي دنماركي فرنسي، ولد في جزيرة سانت توماس (الآن في جزر فيرجن الأمريكية)، تكمن أهميته في مساهماته في كل من الانطباعية، وما بعد الانطباعية. درس بيسارو، وعمل على يد رواد عظماء، بما في ذلك غوستاف كوربيه، وجان بابتيست كاميل كورو، وجورج سورات، وبول سيناك.

في عام 1873، ساعد على تأسيس جماعة فنية مكونة من 15 فناناً طموحاً، ليصبح بيسارو الشخصية «المحورية» في المجموعة، حيث عمل على تشجيع الأعضاء الآخرين، ومؤازرتهم. وأطلق مؤرخ الفن جون ريوالد على بيسارو لقب «عميد الرسامين الانطباعيين»، ليس لأنه كان الأكبر سناً في المجموعة فقط، ولكن أيضاً «بفضل حكمته وشخصيته المتوازنة، ورقيقة المعشر، وصفه الفنان الفرنسي الشهير بول سيزان بكلمات رقيقة وقال: لقد كان أباً بالنسبة لي، وكان رجلاً صالحاً..».

وكان بيسارو كذلك أحد أساتذة الفنان الشهير بول غوغان، وقد أشار بيير أوغست رينوار إلى أعماله بأنها «ثورية»، من خلال تصويره الفني للشخصيات العادية، حيث أصر دائماً على تصوير الأفراد في بيئات طبيعية، من دون رتوش أو فذلكات».

وبيسارو بالمناسبة، كان هو الفنان الوحيد الذي عرضت أعماله في جميع المعارض الانطباعية الثمانية في باريس، من عام 1874 إلى عام 1886. لقد كان بمثابة الأب ليس فقط للانطباعيين، ولكن أيضاً لجميع كبار فناني ما بعد الانطباعيين الأربعة: (سيزان، وسيورات، غوغان، وفان جوخ).

من اللوحات الشهيرة لبيسارو واحدة بعنوان «امرأتان على الشاطئ»، وهي تعكس حياة الناس العاديين، كما هي حال العديد من لوحاته، والتي رسمها في عام 1856. وتم تنفيذها على الورق باستخدام الطباشير. اللوحة تصور مشهداً واقعياً يعكس الحياة اليومية، والتفاعلات الاجتماعية للأفراد، وهو يتماشى مع الفلسفة الواقعية المتمثلة في تصوير الموضوعات بطريقة صادقة، وتظهر في الرسم امرأتان من سانت توماس تقفان على الشاطئ، وتجريان حديثاً عابراً، يبدو الشاطئ شبه مهجور باستثناء بضعة أفراد، وعددهم 5، ويمكن مشاهدتهم على مركب بحري صغير بعيداً عن المرأتين، وتظهر إحداهما كأنها تظلل رأسها بسلة كبيرة مغطاة، وهي ترتدي فستاناً أبيض اللون، مع وشاح أصفر مربوط حول رأسها. تظهر هذه المرأة في مقابل المشاهد، كأنها تحمل شيئاً غير معروف في تنورتها الطويلة. أما الثانية التي ترتدي فستاناً باللون الأزرق، فتحمل بدورها سلّة صغيرة الحجم تتدلى من ذراعها اليسرى.

تقف الاثنتان في منطقة بين الكثبان الرملية للشاطئ، ويوفر جانب التل الكبير خلفية تشير إلى طريق البحر، ويخلق وضع السيدتين نقطة محورية بالنسبة إلى منظور اللوحة، حيث توحي الهيئة التي ظهرت فيها المرأتان وإيماءاتهما بلحظة عالقة في الزمن، تستحضر الحياة الساحلية الهادئة. وعلى الرغم من البساطة الظاهرة في المشهد، فإن معالجة بيسارو للضوء والظل، فضلاً عن الاهتمام بالتفاصيل في تصوير الشخصيات والمناطق المحيطة بها، تضفي على العمل إحساساً بالعمق، والواقعية. من خلال هذا التكوين، يجسد بيسارو لحظة من التواصل البشري ضمن بيئة طبيعية تتقارب بين العادي والخلاب.

وترتدي المرأتان في اللوحة ملابس تعكس النموذج العصري نحو منتصف القرن التاسع عشر، كما تعكس اللوحة حيوية خاصة تظهر في ذلك التناغم اللوني ما بين الأزياء بألوانها الخافتة، وتناغمها مع المناظر الطبيعية المحيطة. وتمتد المناظر البحرية الواسعة خلفهم، ويلتقي البحر الهادئ بالمخطط الضبابي للخط الساحلي البعيد، ما يخلق جواً رائقاً، وهادئاً.

جانب آخر مثير للاهتمام في هذه اللوحة، يتعلق باهتمام بيسارو كفنان بحياة الناس العاديين، على عكس العديد من الفنانين في عصره، فقد كان يفضل دائماً تصوير المناظر الطبيعية الريفية، بدلاً من الموضوعات التاريخية، أو الأسطورية، وقد قام بيسارو بعمل عدة نسخ من هذا العمل طوال حياته المهنية، مستخدماً تقنيات مختلفة، وكان دافعه هو «الفضول» لاكتشاف وجهات نظر الآخرين في الفن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/569pvh98

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"