«إسرائيل» تشتري

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

خصصت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» ميزانية لدعم الدول الفقيرة والصغيرة التي تعتزم نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة للاحتلال. وكانت دولة غواتيمالا الوحيدة التي نقلت سفارتها إلى القدس بعد قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مايو / أيار 2018. وحتى اللحظة اعترفت جمهورية ناورو في المحيط الهادي بالقدس عاصمة للاحتلال، وتبعتها الدولة اللاتينية هندوراس التي يكافح رئيسها ضد حملة اتهامات موجهة إليه بالاختلاس والفساد والتعاون مع عصابات المخدرات في بلاده، وهي تهم اعترف بجزء منها، لكن الوقائع تؤكد أن أخاه اعتقل في ولاية فلوريدا الأمريكية بتهمة الاتجار في المخدرات. وطلب رئيس هندوراس خوان هيرنانديز من «إسرائيل» شراء البن من بلاده، وأن ترفع الولايات المتحدة القيود عن التحويلات المالية من رعايا بلاده المهاجرين في أمريكا مقابل نقل السفارة، وأيضاً أن تتكفل «إسرائيل» بمصاريف فتح المكتب التمثيلي في القدس، ودفع إيجار سكن السفير. لقد لاحظ «الإسرائيليون» أن هناك دولاً صغيرة وفقيرة تريد نقل سفاراتها، لكنها لا تملك المال، فخصصوا ميزانية لذلك، وكانت «إسرائيل» تعول على إقدام الرئيس البرازيلي اليميني بولسونارو على نقل سفارة بلاده إلى القدس، لكن الأخير على الرغم من طلبه من الرئيس ترامب زيادة الواردات الأمريكية من اللحوم البرازيلية لتفادي المقاطعة العربية، إلا أن استجابة ترامب كانت محدودة، لأن الولايات المتحدة نفسها بلد مصدر للحوم البقرية، ولذلك اكتفى بولسونارو بفتح مكتب تجاري في القدس، بعكس ما وعد به أثناء تنصيبه رئيساً، حيث وعد أيضاً بهدم مقر السفارة الفلسطينية أو نقلها في برازيليا. وكان رئيس هندوراس بين الحضور في حفل تنصيبه، وهناك وعد بنقل سفارته إلى القدس بناء على طلب من وزير الخارجية الأمريكي بومبيو.
الدور الذي تلعبه واشنطن في حشد الاعتراف ب«إسرائيل» بالضغوط والمال يشبه إلى حد كبير الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس ترومان سنة 1947 لتمرير قرار تقسيم فلسطين بتقديم رشوة لدول لاتينية، حيث لعب المندوب البرازيلي أوزفالدو كروز دوراً حاسماً في حشد أصوات 32 دولة لتمرير قرار التقسيم. وحالياً تمارس واشنطن الدور نفسه، حيث تنشط لإقناع حكام بلدان فقيرة مهددين بالملاحقة القضائية مثل هندوراس بهذا النقل على الرغم من أن واشنطن واجهت الهجرة الجماعية لعشرات الآلاف من الهندوراسيين عبر المكسيك إلى الحدود الأمريكية بسبب تفشي الجريمة والفساد والفقر في بلادهم، وأعادتهم بالقوة إلى بلادهم.
جمهورية ناورو في المحيط الهندي التي اعترفت بالقدس عاصمة للاحتلال يبلغ عدد سكانها قرابة 12 ألف نسمة، ويزورها في السنة 160 شخصاً أحدهم كان في العام الماضي أفنير ابن نتنياهو، وتطمح إلى أن يكون اعترافها بداية للحصول على أموال أمريكية و«إسرائيلية». وكانت الباراغواي نقلت مكتبها الدبلوماسي من تل أبيب إلى القدس، لكنها تراجعت خشية المقاطعة العربية كما أن رئيسة وزراء رومانيا أعلنت في مؤتمر «إيباك» اعترافها بالقدس عاصمة للاحتلال، لكن الرئيس الروماني كلاوس يوهانسن وصفها بالجاهلة في المجال الدبلوماسي، لأن الاعتراف مرتبط بقرار الاتحاد الأوروبي، وليس بدولة وحدها. وكانت «إسرائيل» تراهن على هنغاريا في أوروبا الشرقية وتشيكيا ورومانيا ومولدوفيا، حيث يسيطر اليهود على الحياتين السياسية والاقتصادية، لكن بعض هذه الدول اكتفى بفتح مكاتب تجارية فقط. مسألة الاعترافات بالقدس عاصمة للاحتلال قد تكون هامشية من حيث عدد الدول حتى الآن، لكن تبين أن هناك تقاعساً عربياً في تطبيق قرارات وزراء الخارجية العرب بهذا الخصوص، حيث اجتمعت اللجنة السداسية الوزارية العربية التي شكلها مجلس الجامعة العربية لمرة واحدة في عمان، وقررت العمل للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، ولم تضطلع بأي جولة في سبيل هذا الهدف. كما أن النشاط الدبلوماسي «الإسرائيلي» في أوروبا الشرقية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لم يواجه من قبل سفارات السلطة الفلسطينية بأي جهود لإفشاله، بل ظلت السفارات خامدة على الرغم من وجود أكثر من 103 بعثات دبلوماسية فلسطينية مقابل 102 ل«إسرائيل» وعدد السفارات الفلسطينية وصل إلى 95 سفارة، أكثر من 80 منها تمتلك السلطة مبانيها، مقابل 78 سفارة ل«إسرائيل». وعلى الرغم من أن السفارات الفلسطينية محشوة بعدد كبير من الموظفين إلا أن عدد السفارات النشطة قليل بسبب عدم كفاءة الموظفين الذي لا يقدمون أي أنشطة تستحق الإشادة. ولذلك تعالت الأصوات تطالب بإعادة النظر في الكادر الدبلوماسي، ووقف التوظيف بالمحسوبية والمزاجية، وهو ما عاد على الدبلوماسية الفلسطينية بالوبال، وتراجع التأييد حتى في دول إسلامية وإفريقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"