ضد الشعر

01:51 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد عبدالله البريكي

يسعى بعض الذين يلهثون خلف الشهرة والظهور السريع إلى تسويق بضاعتهم على حساب الاشتغال الجاد على جودة المحتوى؛ وذلك عبر مشاركات مختلفة في مهرجانات لا تعنيها الجودة، ولا المحتوى الفني، بقدر ما يعني منظموها الظهور الإعلامي، وتسجيل بعض الحضور الشخصي للمنظم، وأحياناً التكسب المادي، وبناء علاقات مبنية على أساس المصلحة من خلالها؛ ولذلك أصبحت ظاهرة تسوّل المهرجانات الشعرية منتشرة بشكل كبير، وصار بعض من يشارك في هذه الفعاليات الفقيرة فنياً يروّج لنفسه ومشاركاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ فيه، لدرجة أن بعضهم يعتقد نفسه أنه متنبي عصره، والشاعر المُلهم والمهم في المشهد الشعري، وأخرى ترى أنها خنساء زمانها، وولادة عصرها، وتروّج لنفسها بكثرة المشاركات.
وبدأ بعضهم بإطلاق ألقاب على أنفسهم ما أنزل الشعر بها من سلطان، وإذا ما اقتربت قليلاً من نبضه ستجده هشاً إبداعياً لا يستحق الحياة؛ لكثرة النظم، وقلة الجودة، وخواء الفكر في نصوصه، ومن يتتبع معظم تلك المهرجانات، سيجد أنها مهرجانات للتسوّل من الجانبين، فمنظموها يتسوّلون أشخاصاً ومؤسسات كثيرة، ويروّجون لها بطرق ملتوية، ويتصلون على بعض الشعراء، الذين لهم تجارب طويلة وسجل مُشرّف وناصع في مجال الشعر من أجل أن تسجل أسماؤهم ضمن المشاركين حتى ولو لم يشاركوا ليعطوا صورة خادعة عن أهمية الفعالية.
أما التسوّل الآخر فيأتي من بعض المتشاعرين، الذين يلهثون خلف الشهرة دون كلل أو ملل، ويطاردون خيوط الضوء عبر طرق وعرة ومسارات موحلة، وتناسوا المثل الذي يقول «ما هكذا تورد يا سعد الإبل».
إن قيمة الشاعر الحقيقي لا تأتي من خلال مشاركات لا يعتني فيها المنظم بالجانب الجمالي والفني للقصيدة، ولا تضيف بعض المهرجانات والفعاليات التي يطلب من البعض القدوم إليها على حسابه شيئاً؛ بل والأكثر من ذلك، أن بعضها يطلب من المشارك المساهمة من أجل دفع تكاليف التنظيم، وقد لا يخفي بعض المنظمين هذا الأمر، ولا يتورعون عن ذكره، متناسين أن الضيف له حق الضيافة، وليس عليه أن يأتي بضيافته معه، فاحترام الشعر وتقديره يتطلب تقدير حامله.
إنني حين أكتب هذا لا أتحامل على أحد بقدر ما يهمني اعتناء الشاعر بشعره بمراجعته وتهذيبه وتقويته وتحديثه ثم تسويقه عبر مشاركات خلّاقة، وفعاليات شعرية تضيف له جمال الحضور، وتمنحه قيمة مضافة؛ من خلال احترامه؛ والقيام بواجب ضيافته من قِبَلِ من دعاه، وعليه هو في الجانب الآخر، أن يبادل المستضيف الذي أتى به من أجل شعره بإكرام الجمهور الذي تجشم عناء المسافات، وألغى الكثير من المواعيد وجاء هارباً من رتابة الحياة ومطاردة الوجع؛ ليبحث عن ملجأ أو ركن يعيد له التوازن، ويمنحه طاقة إيجابية من خلال ما يُمني نفسه بسماعه.
إن الذائقة العربية التي هزها الشعر وأطربها زمناً طويلاً تعاني أمثال هؤلاء المتشاعرين وهي في حاجة إلى شاعر يجعل من قصيدته غادة حسناء فاتنة، ويجعل من الجمهور خُطّاباً يتنافسون عليها كي يكسبوا رضاها، حينها سيتحقق للشعر العربي ما يصبو إليه من مكانة رفيعة وشرف كبير حافظ عليه العرب منذ قرون وتفاخروا به بين الأمم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"