تربويون متقاعدون

03:53 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد إبراهيم

يعتقد البعض خطأ أن بلوغ التربوي سن التقاعد، نهاية لمسيرته المهنية، أو آخر محطاته في رسالة بناء الأجيال، ولكن واقع الحال يؤكد أن سن التقاعد، ما هو إلا نتاج طبيعي لمجموعة تشريعات وقوانين ولوائح، أقرتها الحكومات في مجتمعاتها، لتضع «بداية ونهاية» لسنوات الوظيفة في مختلف القطاعات.
ولكن على الرغم من وجود تلك البدايات، وهذه النهايات، إلا أن القوانين لم تضع قيوداً على سنوات العطاء والإبداع والابتكار للمتقاعدين، عقب مغادرتهم الوظيفة، وهنا مربط الفرس، ونتساءل: لماذا لا نغير نظرتنا وتعاملنا مع التربويين بعد تقاعدهم؟ ولماذا لا نستفيد من خبراتهم وقدراتهم المعرفية والتعليمية؟ وأين استراتيجيات توظيف طاقاتهم لدعم مسيرة بناء الأجيال، وتطوير مهارات المعلمين، وتأهيل قيادات الصف الثاني، والكوادر الأخرى في الميدان؟ المتابع، لوضع شريحة كبيرة من متقاعدي قطاع التعليم، يجد أنهم غير مرتبطين بعمل بعد التقاعد، وشغلهم الشاغل يكمن في قراءة الصحف اليومية ومتابعة الأسهم والقنوات الفضائية، وحضور المناسبات والتجمع في الأمسيات، وقد يرتمي البعض في أحضان الأوهام والضغوط النفسية، وما ينتج عنها من آثار سلبية، بسبب الفراغ القاتل عقب مغادرة الوظيفة.
في الواقع لدى معظم المتقاعدين في الميدان، طاقات فاعلة، وخبرات مضيئة، تستحق أن نقف معها للاستفادة منها، لخدمة العملية التعليمية بمختلف مكوناتها، فكم من التربويين غادروا الميدان ولم يجدوا فرصة لمواصلة مسيرة العطاء، فخبراتهم تعد استشارات، وآراؤهم تعتبر لجان إصلاح وتطوير.
المتقاعدون من التربويين عقول فاعلة تشكل كنوزاً ثرية بالممارسات الواقعية في مسيرة العلم والمعرفة، ولكن مع الأسف لم يتم اكتشافها بعد، ولم نعِ أهميتها حتى الآن، ولم يشهد الميدان مبادرة واحده جادة لاحتواء تلك الفئة، على الرغم من امتلاكها مخزوناً كبيراً من الخبرات المتراكمة، فضلاً عن الزخم المعرفي، والرؤى الواقعية التي تحاكي في مضمونها مختلف مسارات التعليم ومراحل تطويره.
نعتقد أن تأسيس هيئة أو جمعية خاصة بالتربويين المتقاعدين، بات مطلباً مهماً، وضرورة ملحة في المرحلة المقبلة، لبناء قاعدة وطنية من الخبرات والكفاءات في مجال التعليم، نرفد من خلالها الميدان التربوي بكوادر تدرك ماهية المجتمع وطبيعته واحتياجاته التعليمية.
إن أوضاع التربويين المتقاعدين في مجتمعنا، تحتاج إلى إعادة النظر في كيفية توظيف طاقاتهم والاستفادة من خبراتهم، بما يجعلهم أعضاء فاعلين في مسيرة العلم على الرغم من تقاعدهم، من خلال مشروع وطني لإنتاج جيل الخبراء المواطنين، وتوطين الرؤى التربوية في مضمار التعليم، والاستغناء عن استقدام الخبرات الأجنبية، واستثمار طاقات أبناء الوطن، لرسم سياسات التطوير والتنمية برؤى واقعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"