أوروبا تقاوم ترامب

05:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
جميل مطر

أبدأ من حيث انتهى آخرون.. انتهوا إلى أن الرئيس دونالد ترامب لم يحقق خلال ما يزيد على عامين ونصف العام من ولايته فوزاً واحداً في أي خصومة أو نزاع مهم كانت الولايات المتحدة طرفاً فيه. أعترف، كما صار يعترف زملاء عديدون، بأن الرئيس ترامب نجح في إلهائنا، وأبدع في إثارة الزوابع حول نزاعات أمريكا مع الخارج، كان بالفعل مجدداً في أنماط العمل في ساحة «الميديا»، وفي سلوكياته، خصوصاً في إبراز دوره في صفقات الحل. قيل: إن في اعترافه بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» فوزاً. هو بالتأكيد فوز مطلق لرئيس الوزراء «الإسرائيلي»، ولكنه لترامب فوز غير مكتمل، منذ أن تصدى الرأي العربي الواعي عموماً والفلسطينيون خاصة بالرفض لمشروع جاريد كوشنر، المشروع الذي يتضمن اقتراحاً للعرب بتصفية قضية فلسطين.
أستطيع وبكل الإيجاز الممكن التصريح بأن بعض سياسات الرئيس ترامب تجاه قضية فنزويلا قوبلت بمقاومة شديدة في داخل فنزويلا، وفي بلاد أخرى في الأمريكيتين الوسطى والجنوبية. أستطيع أيضاً استنتاج أن هذه المقاومة أحبطت سياسات الرئيس الأمريكي.
واضح لي تماماً، أولاً أن الرئيس مادورو ما زال يحكم، وأن دولاً في القارة ترفض النية الأمريكية المعلنة للتدخل في شأن داخلي وتغيير نظام حكم هنا أو هناك. واضح لي ثانياً أن خضوع الرئيس جايير بولسونارو لشخصية وأهواء الرئيس ترامب وسياساته دفعه للمخاطرة بموقف جلب عليه نقمة زعماء العالم الصناعي المجتمعين في بياريتس في قمة السبع. لم يكن مقبولاً منه، حتى ولو بمباركة الرئيس الأمريكي، أن يحرق الأمازون أو يراه يحترق وهو جالس يتسلى بمنظر النيران أو يحسب الاستثمارات الموعود بها، بينما العالم يعاني ويشكو من كوارث بيئية متكاثرة ومدمرة.
لن أثير الآن قضايا تتصل بالأوضاع الناشئة في جنوب شرقي آسيا، نتيجة توسع النفوذ الصيني المستمر في بحر الصين الجنوبي وفي وسط آسيا وفي بحار ومحيطات شتى بأكثر وأوسع مما كان في عهد الرئيس باراك أوباما، العهد الذي لا يتوقف الرئيس ترامب عن تحميله مسؤولية نقائص وأخطاء كثيرة. هذا موضوع يستحق مثل موضوعات كثيرة اهتماماً مستقلاً على الرغم من اتصاله المباشر بحقيقة صارخة، وهي أن التوسع الصيني يقضم أجزاء بعد أجزاء من جسد الإمبراطورية الأمريكية ونفوذها. كان من بين ما توقفت عنده أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة العدد المتزايد للمواقف الأوروبية الرافضة لسياسات الرئيس دونالد ترامب في أوروبا وخارجها.
عامان ونصف العام، وربما كانت ثلاثة أعوام أو أكثر، تعرضت خلالها قيادات أوروبا، حليفة الولايات المتحدة على امتداد قرن، لحملة تشهير وانتقادات وتتفيه من جانب الرئيس ترامب، منذ بدأ رحلة ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية. تحملت كثيراً وطويلاً، تحملت تدخله الشخصي في شؤون الحكم في كل دولة على حدة، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي الذي كان، ولا يزال، ترامب يمقته فكرة وعقيدة وتنظيماً.
شن حملاته على أقرب حلفاء أمريكا في أوروبا في أسوأ وقت وأصعب وضع، استمر في حملته، على الرغم من إدراك أوروبا المتأخر لخطر يمكن أن تجسده الصين الزاحفة على بقية العالم بسرعة وتصميم، لم يمنعه قلق الأوروبيين من أن يشجع الإنجليز على الخروج من أوروبا، ويحفز سياسيين في بولندا والمجر ورومانيا وإيطاليا على التصدي لألمانيا وفرنسا في موضوعات الهجرة الأجنبية والعلاقات بدول المشرق.
هذه الممارسات، وغيرها، دفعت المستشارة أنجيلا ميركل لإصدار دعوة علنية إلى استقلال القرار الأوروبي، إذ قالت لزملائها قادة أوروبا: «يجب أن نأخذ مصيرنا بأيدينا».
بعد ذلك بات واضحاً أن الدول الرائدة في أوروبا قررت الاصطفاف لمقاومة تجاوزات إدارة الرئيس ترامب، اتخذت المقاومة الأوروبية أشكالاً متباينة، مثلاً راحت أولاً ترد على قرارات رفع التعريفة على الصادرات الأوروبية برفع التعريفة الأوروبية على الواردات الأمريكية.
ثانياً: رفضت إلغاء الاتفاق النووي الموقع مع إيران من طرف واحد، وهي تعلم قدر أهمية وخطورة هذا الرفض على علاقاتها بأمريكا، وعلى مكانة الغرب عامة.
ثالثاً: خرجت حكومتا ألمانيا وفرنسا بقرار مفاجئ يكلف الشركات المختصة في الدولتين، بالبدء فوراً في تصنيع أحدث طائرة مقاتلة في الترسانة الغربية، بما يعني صرف النظر عن رغبة واشنطن في أن تقود هذا المشروع.
رابعاً: قادة أوروبا لم يعيروا الرئيس الأمريكي اهتماماً يذكر في اجتماع قمة السبع الذي نظمته فرنسا.
لم يغب عن أي من الحاضرين في بياريتس ابتسامة سخرية لم تفارق وجه الرئيس ترامب.
لا شك في أنه دار بذهنه أن المؤتمر المقبل، سوف يعقد في ضيافته بولاية فلوريدا، وسيحضر فيه من ينتقي بنفسه، ولن يستشير أحداً، وسيحاول أن يستصدر من القرارات ما يحلم بأن تكون الأساس الذي سوف يقام عليه نظام اقتصادي عالمي جديد. لن توافق الصين، سواء دعيت أو لم تُدعَ.. وأغلب الظن أنها لن تدع أمريكا تضع مرة أخرى نظاماً وتفرضه، وإن فعلت فسوف نشهد حروباً متنوعة، وليس فقط حروب تجارة كالتي نشهد نتفاً منها، تحذر وتمهد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"