مفارقات قمة بوتين - أردوغان

03:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

اضطر أردوغان لأن يقبل اتفاقاً لوقف إطلاق النار في إدلب يتضمن إعلاناً تركياً ضمنياً وصريحاً بفشل غزوة «درع الربيع» التركية

القمة التى عُقدت يوم الخميس (5 مارس/ آذار الجارى)، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، جاءت مفعمة بالمفارقات، وإن كان البعض يعتبرها مفارقات «عارضة»، إلا أنها تكشف الكثير من خفايا المأزق الصعب الذي يواجه القيادة التركية هذه الأيام.

ذهب أردوغان إلى موسكو بعد تمنّع طويل من القيادة الروسية، التي رفضت مقترح قمة ثنائية تركية- روسية تعقد في إسطنبول للبحث في تطورات الأزمة السورية في ضوء نجاحات الجيش السوري في استعادة مناطق واسعة في ريف محافظة إدلب، ومحاصرته للعديد من نقاط المراقبة التركية، كما رفضت القيادة الروسية مقترح الرئيس التركي لقمة رباعية: روسية- تركية- ألمانية- فرنسية للبحث في أزمة إدلب، وتداعياتها، خاصة مشكلة اللاجئين، وهي الورقة التي ظل الرئيس التركي يسعى لتوظيفها لابتزاز الدول الأوروبية لدعم عدوانه الجديد على سوريا. هذا الرفض الروسي كان يحمل رسائل مهمة أبرزها رفض العدوان التركي الجديد على سوريا الذي حمل شعار «درع الربيع»، ورفض الشروط والمطالب التركية للتوقف عن عدوانها، وأبرزها الانسحاب السوري الكامل من كل المناطق التي استعادها.

كل ذلك وضع أردوغان أمام حرج شديد في الداخل، وهو ما تحقق فعلاً داخل البرلمان التركي، عندما شن نائب رئيس حزب الشعب المعارض هجوماً عنيفاً على أردوغان، ما أدى إلى نشوب عراك داخل القاعة.

وواضح أن القيادة الروسية لم تقبل بتحديد موعد القمة تلك إلا بعد أن تصل إلى قناعة بأن الرئيس التركي وصل إلى درجة الاستجداء لهذه القمة أملاً في الحصول على وقف لإطلاق النار لإنقاذ ماء الوجه، ووضع حد لخسائر قواته، وقوات حلفائه، بعد أن وصل إلى يقين بأنه ليس مستعداً لخوض حرب في سوريا ضد روسيا، عندها وافق الكرملين، ووصل الوفد التركي إلى الكرملين برئاسة أردوغان للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث توالت المفارقات.

كانت أولى المفارقات ما كشفه التلفزيون الروسي من إهانة روسية متعمدة، عندما بث تقريراً لدى وصول أردوغان، وانتظر دقائق إلى درجة الإرهاق، ما اضطره للجلوس على كرسي قبل أن يسمح له بالدخول إلى قاعة الاجتماعات. ولم يكن بوتين في انتظار أردوغان كما تقضي قواعد البروتوكول، بل استقبله داخل القاعة.

المفارقة الثانية، جاءت عقب انتهاء ست ساعات من المحادثات المرهقة مع الرئيس الروسي، حيث خرج أردوغان فاقداً التركيز، وهو في حالة من الإرهاق يصعب إخفاؤها، كان يقف بجواره سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، وفجأة مدّ أردوغان يده ليصافح وزير خارجيته الذي كان يتبادل الحديث مع لافروف، الأمر الذي وضع الوزير التركي فى موقف شديد الإحراج اضطره لمد يده ليصافح رئيسه.

المفارقة الثالثة، كانت داخل قاعة الاجتماعات، حيث تعمد الروس أن يجلس الرئيسان، الروسي والتركي، للحديث معاً، وعلى مسافة منهما يقف الوفد التركي الذي ضم وزيري الخارجية،والدفاع، وجاء وقوف الوفد التركي في موقع من الغرفة مفعم بالمعاني الرمزية التي تنال من كبرياء، وكرامة الأتراك، حيث كان يرتفع تمثال «كاترين الثانية» التي حكمت روسيا لمدة 34 عاماً، والتي ألحقت العديد من الهزائم بالإمبراطورية العثمانية، وأهمها سقوط شبه جزيرة القرم من أيدي العثمانيين.

أما المفارقة الأهم، فهي اضطرار أردوغان لأن يقبل اتفاقاً لوقف إطلاق النار في إدلب يتضمن إعلاناً تركياً ضمنياً، وصريحاً، بفشل غزوة «درع الربيع» التركية، التي أراد بها الرئيس التركي أن يفرض سيطرة على مسافة تمتد إلى عمق 35كم داخل شمال سوريا، يثبت فيها وجود الميليشيات الإرهابية الحليفة، ويعيد توطين اللاجئين لتكون منطقة نفوذ تركية تدعم مستقبلاً أطماع أردوغان.

إن الاتفاق جاء من ناحية، استسلاماً تركياً مسبقاً للشروط والمطالب الروسية، وجاء مضمونه ليثير من ناحية أخرى ذعر الأمريكيين، ويفاقم الخسارة الأمريكية في سوريا على كل المستويات، سواء على مستوى التنافس الأمريكي مع روسيا على العلاقة مع تركيا، وهو التنافس الذي تفاقم مع نجاح روسيا بيع تركيا صفقة صواريخ «إس 400»، أو على صعيد تقديم تركيا تعهداً بدعم المطلب السوري- الروسي بتأكيد وحدة الأراضي السورية، ورفض أي وجود أجنبي عليها، ما يهدد الوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات، ويعطي للجيش السوري الحق في التعامل مع الوجود العسكري الأمريكي كقوة «قوة احتلال».

مفارقات ستظل تطارد أردوغان داخل تركيا أولاً، وعلى صعيد علاقته مع الحليف الأمريكي ثانياً، وعلى صعيد علاقاته مع الميليشيات الإرهابية الحليفة في إدلب التي ترى أنها المعنية بدفع ثمن هذا الاتفاق، ما يجعلها غير ملتزمة به، ومعنية بالخروج عليه، وهنا ستكون مهمة قمع هذه الميليشيات مهمة تركية بالأساس، وفقاً لنص الاتفاق، ما سيضع تركيا وجهاً لوجه مع روسيا مجدداً من دون ظهير أمريكي داعم هذه المرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"