بين ترامب ونتنياهو

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تهديد ترامب بحرب أهلية أمريكية يشبه اللغة الدكتاتورية التي اتسمت بها آخر عبارات لحكام دكتاتوريين قبل سقوطهم.
انتقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استخدام لغة الوعيد والتهديد ضد خصومه الديمقراطيين الذين بدأوا إجراءات عزله في الكونجرس، بعد فضيحة مكالمته مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي وطلبه التحقيق فيما إذا كان هانتر ابن منافسه الديمقراطي جو بايدن قد عقد صفقات مشبوهة أثناء عمله في أوكرانيا.
الرئيس ترامب استعان بأقوال قس إنجيلي متطرف مهدداً بحرب أهلية في بلاده في حالة عزله، ونقل ترامب اقتباسات من مقابلة أجراها القس روبرت جيفريس، مع شبكة «فوكس نيوز» قوله «إذا نجح الديمقراطيون في إقالة الرئيس من منصبه، وهو لن يحدث أبداً، فسيتسبّب ذلك في حرب أهلية ستكسر الدولة ولن يشفى منها بلدنا بسهولة أبداً» وفي رسالة إلى قاعدة ترامب من اتباع الكنيسة الإنجيلية الصهيونية، رأى القس أن «الديمقراطيين لا يهتمون إذا أحرقوا هذه الأمة ودمّروها في هذه العملية (الإقالة)». لم أرَ المسيحيين الإنجيليين غاضبين من أي قضية أكثر من محاولة إقالة الرئيس بطريقة غير شرعية من منصبه، والانقلاب على انتخابات 2016 وإلغاء أصوات الملايين من الناخبين الإنجيليين.
يذكر أن ترامب يستند إلى دعم الكنيسة الإنجيلية الصهيونية المتزمتة، وكان لها الدور الأساسي في إعلان الولايات المتحدة اعتبار مدينة القدس عاصمة للاحتلال. ويؤمن الإنجيليون بأن قيام «إسرائيل» يأتي «وفقاً لتعاليم الإنجيل»، وأن «المسيح»، سيعود للحياة بعد تجمع كل اليهود في تلك الأرض، واكتمال حدودها، أي على كامل تراب فلسطين التاريخية.
يشار إلى أن مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، شهدت قداساً للقس الإنجيلي المتعصب نفسه (جيفيريس) الذي يتبنى مواقف دينية معادية للمسلمين، ولليهود أيضاً، واعتبر المحللون أن قرار ترامب ليس «سياسياً، وإنما امتثالاً لمعتقدات الإنجيليين الدينية لأنها مطلبهم الرئيسي منه. إذ يؤمنون بأن الرب منح الأرض المقدسة لليهود».
بعيداً عن هذه المعتقدات، نجد ترامب يستنبط من تصريحات القس جيفيريس ما يناسبه من عبارات تهديدية بحرب أهلية، مستنداً إلى غضب الإنجيليين مما يتعرض له من محاولة لعزله. فالحرب الأهلية ليست غريبة عن الأمريكيين، لأنهم خاضوا أقسى حرب أهلية بين ولايات الشمال الغنية وولايات الجنوب بعد إلغاء الرق والعبودية.
تهديد ترامب يشبه اللغة الدكتاتورية التي اتسمت بها آخر عبارات لحكام دكتاتوريين قبل سقوطهم، فشاه إيران محمد رضا بهلوي قال قبل سقوطه «من بعدي سيكون الطوفان» ومحمد سياد بري دكتاتور الصومال قال العبارة ذاتها، ومن بعده يعيش الصومال حتى الآن حالة الطوفان، وكذلك حذر سيف الإسلام القذافي قبل سقوط والده من حرب أهلية في ليبيا لأنه يدرك الحالة القبلية والعرقية والتدخلات والأطماع الأجنبية في بلاده.
لكن بالعودة إلى تغريدات القس جيفيريس التي تبناها الرئيس الأمريكي نجد أنه بعكس غيره من الحكام لجأ إلى التخويف من حرب أهلية داخلية وليس بسبب تدخلات وأطماع أجنبية. فبعد مواقفه المعادية للسود في بلاده، وعدائه المطلق للملونين، وتفخيمه للعرق الأبيض، نجده ذهب بعيداً في إثارة الفتن الداخلية بإثارة النعرات الدينية والمذهبية، فهو على عداء منذ بداية حكمه مع المسلمين الأمريكيين، ثم انتقل الآن إلى الاستعانة بالمذهب الإنجيلي وأتباعه ضد الأديان والمذاهب الأخرى، وكأنه يختلق أفضل معادلة للحرب الأهلية، وهو ما يفعله حليفه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو الذي يرهب «الإسرائيليين» بالعرب واليسار والوسط، فسياسة نتنياهو قسمت «الإسرائيليين» إلى معسكرين، حيث حذر بعض المحللين أن المجتمع اليهودي في حالة انقسام شديد قد يؤدي إلى حرب أهلية، حيث من المتوقع أن نشهد ذهابهم لانتخابات ثالثة قد لا تؤدي إلى حل داخلي، بل إلى مزيد من الانقسام.
إن أسوأ الاحتمالات يبقى قائماً، فنتنياهو يريد تفصيل حل لتشكيل حكومة على مقاسه، بحيث يبقى رئيساً للوزراء وينجو من الملاحقة القضائية، وترامب هو الآخر يريد البقاء مهما يكن الثمن، حتى لا يلاحق بتهم كثيرة منها استغلال منصبه بالاستعانة بالخارج لدعمه داخلياً سواء بشأن التدخل الروسي في الانتخابات أو تدخل أوكرانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"