العقار البريطاني وسنوات الهبوط

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم يعد كثير من المحللين والمعلقين يتحدث عن التعافي الاقتصادي كما كان الحال قبل عامين مثلاً . وأصبح معظمهم يتبع حالة الحذر، على خطى المؤسسات الدولية التي تصدر تقارير التوقعات الاقتصادية وكلها في الاغلب تميل إلى رسم صورة سلبية استناداً إلى الأرقام الرسمية وشبه الرسمية . وبعدما كان التعافي الاقتصادي العالمي متوقعاً عام 2010 تأجل إلى 2011 ثم ،2012 والآن لا يبدو في الأفق أي ضوء على أن العام الحالي، أو حتى القادم ،2013 سيشهد تعافياً اقتصادياً ملموساً .

ورغم ان القطاع العقاري البريطاني يعد الأقل تدهوراً من بين الاقتصادات الرأسمالية الرئيسية التي تفجرت فيها الازمة المالية العالمية 2007/،2008 فإنه يبدو على الأرجح أقلها قدرة على التعافي . فالأزمة العالمية بدأت بالقطاع العقاري الأمريكي، مع ذلك بدأ هذا الانقطاع بالتعافي البطئ الآن تقريباً مدعوماً بالنشاط في الاقتصاد ككل وكذلك البرامج الحكومية التي استهدفت خفض معدل الدين/الدخل للأسر الأمريكية . حتى في ايرلندا التي شهدت الصورة الأسوأ للازمة العقارية ضمن الأزمة المالية العالمية، فإن البرامج الحكومية ساعدت حتى الآن على تخفيف عبء أزمة الديون الشخصية بما في ذلك ديون الرهن العقاري للأسر الايرلندية ما ساعد على استقرار السوق العقاري نسبياً .

أما في بريطانيا، فإن التوقعات تقود إلى وضع أقرب ما يكون لوضع القطاع العقاري في إسبانيا مع فارق واحد هو ان السوق العقاري البريطاني غير مرشح لانهيار مفاجئ كما في إسبانيا . والأرجح ان يستمر تعثر القطاع للسنوات الخمس المقبلة قبل أن يبدأ تعافياً بطيئاً جداً قد يأخذ عقداً من الزمن قبل ان يستقر على التحسن . اذ ليست هناك أي مؤشرات على ان الحكومة الحالية تخطط للتدخل لتخفيف عبء ديون الأسر البريطانية، بل ان الخطط المطروحة حتى الآن والتوجه العام لحكومة ائتلاف المحافظين/الليبراليين الديمقراطيين تشير إلى أن خطط التيسير الكمي المتوقعة ربما تزيد من ديون الأسر البريطانية على مدى السنوات الخمس المقبلة . فالهدف من سياسات الحكومة هو انعاش الاقراض وزيادة المعروض الائتماني حتى وان لم تستخدمه المصارف للإقراض كما حدث مع موجات التيسير الكمي السابقة . كما أن ضخ الأموال في الاقتصاد يستهدف بالأساس دعم أسعار الاصول (حتى لو كانت مغالى فيها أو ما زال فيها بقايا فقاعة) . فالسياسة الاقتصادية البريطانية معنية بضبط الجانب المحاسبي للوضع الائتماني (دفاتر المقرضين) بغض النظر عن وضع الأسر المدينة . ولهذا أثر سلبي كبير في مستوى انفاق المستهلكين، الذي يتوقع أن يظل متردياً في بريطانيا على مدى السنوات المقبلة معيقاً أي فرصة لنمو الناتج المحلي الإجمالي .

ونشرت شركة برايس ووتر هاوس كوبر مؤخرا تقريرا عن بريطانيا توقعت فيه أن يكون القطاع العقاري بدأ هبوطا يستمر لمدة 17 عاماً، اذا اخذنا في الحسبان تقييم الأسعار على أساس معدل التضخم السنوي في الاقتصاد . وحسب تقديرات التقرير فإن أسعار البيوت في بريطانيا قد تعود إلى مستوى ما قبل الازمة المالية (عام 2007) بحلول عام ،2017 لكنها بحاجة إلى سبع سنوات اخرى قبل ان تعود إلى مستواها السابق مع ضبط الاسعار مع التضخم . وبحلول عام 2020 ستكون أسعار البيوت في بريطانيا ارتفعت في سعرها النقدي بنسبة 30 في المئة، لكنها ستكون أيضاً أقل بنسبة 7 في المئة في الواقع من مستواها عام 2007 بحساب التضخم .

وتتسق تلك التوقعات مع توقعات نمو الاقتصاد البريطاني اجمالا، والذي دخل الركود الفعلي منذ الربع الأخير من العام الماضي ولا يتوقع أن يحقق أي نمو هذا العام رغم توقعات الحكومة بنمو اقل من واحد في المئة . وتشير اكثر التوقعات تفاؤلا إلى نمو يقل عن 2 في المئة العام المقبل . ولا يعول كثيرون على إجراءات التيسير الكمي المتوقعة من بنك انجلترا (المركزي البريطاني) التي تخطط لها الحكومة . ومما يؤشر على استمرار التوقع المتشائم للسوق العقاري البريطاني الارقام الرسمية حول دخول الشباب إلى سوق العقار . فمن ميزات القطاع العقاري البريطاني ان نسبة كبيرة من ملاك العقارات هي ساكنوها، وبالتالي يعد القطاع العقاري مقياساً مهماً لحسابات الأسر المالية من حيث الائتمان والانفاق والثروة عموماً . وحسب تقرير برايس ووتر هاوس كوبر فان الخريج الجامعي بحاجة لأن يصل إلى سن الثلاثين من العمر قبل أن يتمكن من وضع قدمه على السلم العقاري . اما حسب جمعية المقرضين العقاريين فان السن اللازم للمشتري لاول مرة في السوق العقاري هو 31 سنة . ذلك طبعا في حالة عدم وجود اي مساعدة مادية من الأهل لشراء أول بيت .

وأهمية مؤشر المشترين للمرة الاولى هو ان عددهم، في السوق البريطاني تحديدا، يعد دليلاً مهماً على النشاط في القطاع . وإذا كان متوسط سعر البيت في بريطانيا عام 2007 عند 197 ألف جنيه استرليني، وانخفض في الشهر الماضي إلى 162 ألفاً و417 جنيه استرليني، ومع ذلك يتراجع عدد المشترين للمرة الاولى ويرتفع سنهم، فإن ذلك يدل على استمرار تراجع النشاط في القطاع العقاري . والمتوقع ان يستمر التراجع لعدة سنوات قادمة ربما حتى نهاية العقد الثاني من القرن .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"