ترسيخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي

01:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

حبيب الملا

الضرائب على الدخل تفرض على الأرباح التي يحققها الأفراد والشركات. أما الرسوم فتتم جبايتها بغض النظر عن الأرباح التي تحققها الشركة، أو المؤسسة التجارية، بل وحتى إن تكبدت الخسائر. ولو خير التجار لاختاروا النموذج الأول.
أثار قرار مجلس الوزراء عدم زيادة الرسوم الاتحادية خلال الثلاث سنوات القادمة ترسيخا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بالدولة ترحيبا واسعا لدى القطاعات التجارية المختلفة في الدولة لما للقرار من آثار إيجابية تتمثل في دعم القطاعات الصناعية والتجارية واستقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية.
وكانت مقالات للإعلاميين رائد برقاوي وسامي الريامي المتعلقة بموضوع الرسوم الحكومية قد ألقيا حجرا في بحيرة راكدة فأثار المقالان سيلا من الردود والتعقيبات والمشاركات من أشخاص وجهات عدة.
وقارنت إحدى التعقيبات بين ما تفرضه سنغافورة من ضرائب تتجاوز الثلاثين في المئة وبين نسبة الخمسة في المئة التي فرضتها دولة الإمارات كضريبة قيمة مضافة. وأشار البعض إلى أن مكانة سنغافورة كمركز تجاري لم تتأثر على الرغم من نسبة الضريبة العالمية التي تفرضها مقارنة بالنسبة الضئيلة التي فرضتها دولة الإمارات.
وهذه المقارنة في نظري لا تستقيم. فالضرائب على الدخل إنما تفرض على الأرباح التي يحققها الأفراد وتحققها الشركات. أما الرسوم - خاصة إذا تعدت وظيفتها كمقابل خدمة وأصبحت في واقع الأمر نوعاً من الضريبة لا تتناسب مع الخدمة المقدمة - فإنما تتم جبايتها بغض النظر عن الأرباح التي تحققها الشركة، أو المؤسسة التجارية، بل وحتى لو تكبدت الخسائر. ولو خُيّر التجار بين دفع الضرائب على الأرباح وبين دفع الرسوم في كل الأحوال لاختاروا النموذج الأول لكـــونـــه أكثــــر إنصـــافـــاً وواقـــعيـــة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن دولة الإمارات والحكومات المحلية أطلقت مشكورة مبادرات كثيرة لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحاضنات المشاريع وما ذلك إلا لإدراكها أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي عصب الاقتصاد وضمانة نموه على المديين المتوسط والبعيد.
إلا أن هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة تئن اليوم تحت وطأة الرسوم الحكومية المتعددة والمتكررة والمتزايدة. فإجمالي الرسوم التي يترتب على أي مشروع - مهما كان صغيراً - أن يدفعها لا تقل عن مئة ألف درهم سنوياً. واستمرار الرسوم بهذه الوتيرة سوف يؤدي إلى خنق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يخالف التوجه العام للحكومة في هذا الصدد. وهناك مؤشرات عدة تدل على تناقص عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ومن ذلك أن قسم تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في أحد البنوك الوطنية العملاقة كان حتى سنوات مضت يشغل طابقاً كاملاً، بينما تقلص حجمه اليوم إلى عدة موظفين.
إن تقلص المشاريع الصغيرة والمتوسطة - وربما اختفاؤها - ليس في مصلحة الاقتصاد بأي شكل. فهذه المشاريع إحدى أهم وسائل تشغيل القطاع الخاص للأيدي العاملة. وفي حالة غياب هذه المشاريع فإن الضغط على القطاع الحكومي للتوظيف سيزيد خاصة بالنسبة للمواطنين، الأمر الذي من شأنه أن يرهق ميزانية الحكومة ببنود صرف جارية هي في غنى عنها، خاصة مع انخفاض الموارد النفطية.
وحبذا لو قامت الجهات الحكومية المعنية بالمبادرة بإعفاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع التي يمتلكها بالكامل مواطنو الدولة من كامل الرسوم الحكومية في السنة التشغيلية الأولى. إذ إن من شأن هذه المبادرة أن تقدم دفعة قوية لمثل هذه المشاريع في سنين انطلاقها الأولى.
وأنا أعرف عدداً من المواطنين يفضلون القيام بمشاريع خاصة بهم تدر عليهم دخلاً معقولاً بدلاً من الارتباط بوظيفة، ولكن يصعب على مثل هذا النموذج الاستمرار بسبب الرسوم الحكومية الباهظة التي تأكل الدخل الذي تدره عليهم هذه المشاريع.
إن الضرائب سمة العصر، ولا يقوم أي اقتصاد من دون ضرائب، إلا أن المسألة تحتاج إلى نظرة شاملة وواقعية للرسوم والضرائب منعاً للازدواجية والمبالغة، إذ من شأن ذلك أن يوفر للحكومة ما تحتاج إليه من موارد من دون أن يثقل كاهل القطاع الخاص من دون مبرر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"