ليست حرب عملات

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
أيمن علي

سارعت بعض وسائل الإعلام الاقتصادية بالتعليق على قرار بنك الشعب (المركزي) الصيني خفض قيمة العملة الصينية، اليوان، بنحو 2 في المئة يوم الثلاثاء 11 أغسطس/آب بعناوين مثيرة من قبيل «بداية حرب عملات». وفي اليوم التالي انخفض اليوان بأكثر من 1.5 في المئة، ما أدى إلى ردود فعل سريعة خاصة في الأسواق الآسيوية التي انخفضت مؤشرات السهم فيها كما تراجعت أسعار العملات كذلك.

وعزز ذلك من التقييم السريع (وربما السطحي) للقرار الصيني بخفض قيمة العملة الوطنية لتعزيز الصادرات، حيث إن ارتفاع سعر صرف الدولار مع خفض سعر صرف اليوان يعطي السلع والبضائع الصينية ميزة تنافسية كبيرة. ومع تراجع الصادرات الصينية بأكثر من 8 في المئة بمعدل شهري الشهر الماضي
وانخفاض الصادرات الصينية في نصف العام الأول بنحو 4 في المئة لا يكون مستبعداً محاولة الصين الاستفادة من قرارها النقدي بتغيير طريقة تحديد سعر صرف اليوان (رينمينبي، أي عملة الشعب) للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمن. هذا التغيير هو الذي سمح بنطاق أوسع (نسبياً طبعاً) لتحرك سعر العملة الصينية انخفاضاً وارتفاعاً.
اختلفت التفسيرات للقرار الصيني المفاجئ، والذي إذا أخذنا بالتصريحات الرسمية وتقديرات المراقبين التقليديين يكون خطوة جديدة على طريق «تحرير العملة الصينية وربطها أكثر بالاقتصاد العالمي». إذ تسعى الصين من عدة سنوات لجعل عملتها ضمن سلة عملات عالمية، وترغب منذ عام 2010 في ضم اليوان إلى سلة عملات الاحتياطيات الدولية لدى صندوق النقد الدولي.
لكن من أهم المعايير لدى الصندوق في عملات الاحتياطي العالمي أن يكون سعر صرف العملة حرا تماما ويخضع فقط لعوامل السوق إضافة طبعا إلى حجم الاحتياطيات لدى الدول الأخرى غير الدولة صاحبة العملة بتلك العملة. وظلت العملة الصينية منذ إطلاقها عام 1948 واحدة من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها حتى كل أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. ومع التحول الاقتصادي الذي بدأ في الصين نهاية القرن الماضي، بدأت بكين منذ عام 2005 ما يوصف عمليا بأنه «تحرير منضبط». ورغم ربط العملة الصينية بالدولار، إلا أنه أصبح هناك هامش ضيق لتحرك سعرها يتحدد عن طريق أعلى سلطات النقد في البلاد.
وفي عام 2009 سمحت الصين للمرة الأولى للشركات بتسوية تعاملاتها مع شركات غير صينية بالعملة الصينية، رغم أن ذلك الإجراء ليس مفتوحا تماما إذ يتم تحديد تلك الشركات بدقة من قبل السلطات المركزية. ونتيجة ذلك تراكمت احتياطيات بالعملة الصينية لدى دول آسيوية كثيرة، بل وأيضا في عواصم أوروبية كلندن وباريس ولوكسمبورغ. وتظل هونغ كونغ التي تحتفظ بما يقارب نصف الاحتياطيات الخارجية بالعملة الصينية (لديها 900 مليار يوان).
بالطبع ليست كل تلك الإجراءات بكافية ليصبح اليوان عملة احتياطيات عالمية، ولم تتوقف الولايات المتحدة وبها أكبر اقتصاد في العالم عن اتهام الصين بالإبقاء على سعر عملتها منخفضا بشكل متعمد لتستفيد من الميزات التنافسية لذلك في التجارة بينهما ومع العالم. ذلك على الرغم من أن اليوان ارتفع سعره مقابل الدولار في السنوات الأخيرة بنسبة 10 في المئة.

الأرجح أن رد فعل الأسواق العالمية على القرارات النقدية الصينية لا يستند إلى كل ما سبق بقدر ما يستند إلى أن القرار الصيني يؤشر على أن مشاكل ثاني أكبر اقتصاد في العالم ربما كانت أعمق مما يقدره كثير من المحللين والخبراء. ومع أن هناك عوامل عدة، منها ما سبق الإشارة إليه أعلاه، إلا أن خطر مزيد من التباطؤ في الاقتصاد الصيني هو الأكثر تأثيرا في النظرة لمستقبل الاقتصاد العالمي ككل واحتمال دخوله في أزمة كساد وليس ركود فحسب.

أما الأكيد، فليست تلك حرب عملات بين دولار يرتفع ويوان تريد الصين تخفيضه لتحسن نمو صادراتها فحسب. إنما هو إجراء مركزي صيني ضمن إجراءات أخرى اتخذتها السلطات الصينية مؤخرا، منها محاولات وقف انهيار أسعار أسهم بورصة شنغهاي، لمحاولة السيطرة على تبعات ما يبدو من مشاكل الاقتصاد الصيني.

ورغم أن هناك هدوءاً حذراً في أوساط اقتصادية عالمية كثيرة من أن بكين والسلطات المركزية فيها قادرة على إدارة الأزمة الحالية، إلا أن التحول الذي تشهده الصين من اقتصاد يعتمد النمو فيه على الصناعة قليلة الكلفة والصادرات الهائلة إلى نمو يعتمد الاستهلاك المحلي قد يثبت أنه أكثر تعقيدا من قدرة السلطات الصينية على إدارته بشكل «منضبط» كما ضبطت تحرير الاقتصاد حتى الآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"