«البريكسيت».. مشكلة من؟

00:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
لويس حبيقة
منذ سنة 2007 تمر أوروبا بظروف صعبة، ليس أقلها الأزمة المالية في اليونان، والأزمات السياسية مع بريطانيا، وفي أوكرانيا وأخيراً في إيطاليا. يقول «مارتن شولتز» رئيس البرلمان الأوروبي المغادر، إن أوروبا تمر بظروف متقلبة، مما يفرض على قياداتها أن يديروا أزمات لتخفيف الخسائر. إنها مرحلة استمرار، وليست مرحلة بناء. تواجه أوروبا أيضاً خطر الإرهاب والهجرة إليها، وهنالك قيادات عديدة ستتغير هذه السنة على الصعيدين الوطني والإقليمي. ومن أهم المغادرين سيكون الرئيس الفرنسي، ومن المتوقع أن يكون البديل أقل تعاوناً أوروبياً. يقول الاقتصادي «جوزف ستيغليتز»، إن منطقة اليورو غير صحية أصلاً بل غير قابلة للحياة، ولا بد من أن تتفكك تدريجياً مع الوقت. تفاجأ «ستيغليتز» كيف أن أزمة 2008 بدأت في الولايات المتحدة مع أن وضع الوحدة النقدية الأوروبية كان في رأيه أسوأ. في استفتاءات حديثة أجريت في دول أوروبية، تبين أن 48% من الإيطاليين، 41% من الفرنسيين، 39% من السويديين و 34% من الألمان لا يرغبون في استمرار الوحدة الأوروبية. إذاً حوالي نصف سكان الدول الأساس في أوروبا يرغبون في تفكيكها، لذا فالمشكلة كبيرة، ولا تحل لا مع «بريكسيت» ولا مع «غريكسيت» ولا مع قرارات سطحية.
فلنعد إلى أسباب تأسيس الوحدة الأوروبية وثم النقدية. الأسباب لم تكن أصلاً اقتصادية؛ إذ إنها هدفت إلى عدم تكرار الحروب بين الدول الأوروبية أي تعزيز، بل ترسيخ السلام بعد قرون من الحروب التي سببت ملايين القتلى والجرحى، وقال المستشار الألماني السابق «هلموت كول»، إن أسباب خلق الوحدة هي سياسية وأمنية، وعلى الاقتصاديين أن يبرروها في الاقتصاد. أسست الوحدة النقدية لخلق منافس للولايات المتحدة ومنافس للدولار. أسست تبعاً لنظريات «روبرت مونديل»، لكنها لم تأخذ بالعديد من أفكاره منها: ضرورة وضع وحدة مالية وتقوية السلطة المركزية. وأبقت أوروبا على السلطات الحقيقية في الدول الأعضاء، وجعلت المركز ضعيفاً، أي لا مجال للمقارنة مع الولايات المتحدة وقوتها العسكرية والسياسية؛ لذا لم تعط الوحدة الأوروبية النتائج المتوخاة، فبدأ غضب الشعوب يظهر إلى العلن تماماً كما حصل في أمريكا مع انتخاب دونالد ترامب علماً أن الوقائع والأسباب والمبررات ليست مشابهة. هنالك أوروبا جديدة تظهر، ولا بد من أن تتوضح معالمها أكثر مع القيادات الجديدة في فرنسا وإيطاليا وهولندا وغيرها.
اما الآن في أوروبا، يفتشون عن كيفية إدارة العلاقة مع بريطانيا بعد الطلاق، ويريدون إيجاد بدائل للدور المالي الذي تلعبه لندن اليوم. هنالك فترة بنحو سنتين، لإيجاد المخرج النهائي. لا بد من حل لواقع وجود ملايين من البريطانيين يعيشون ويعملون في القارة، وكذلك لوجود ملايين من الأوروبيين يعملون في السوق المالية البريطانية. هل يجنسون في موقعهم أو يعطون فرصة للمغادرة أو غيرها من الحلول التي لن تكون فضلى؟ خروج بريطانيا من الوحدة يمكن أن يعرضها للانهيار كمملكة متحدة إذا قررت إسكتلندا الاستقلال، وقررت شمال إيرلندا الانضمام إلى الدولة الأم. بقاء الموضوع البريطاني بالنسبة لأوروبا معلقاً يؤخر التفتيش عن حلول، ويمدد الأوقات الضائعة التي لا يتحملها أحد.
بالنسبة لقطاع الأعمال البريطاني، تؤثر فترة الانتظار اليوم سلباً على المشاريع المستقبلية أي على الاستثمارات، وبالتالي على البطالة والنمو. وتؤثر سلباً ليس فقط على الاستثمارات الداخلية، وإنما على الخارجية أيضاً التي ترغب في تثبيت الاستقرار السياسي المطلوب. يعاني الاقتصاد البريطاني عجزاً في الموازنة قدر ب 4% من الناتج في سنة 2015، وبعجز في ميزان الحساب الجاري قدر
ب 5,2%. منذ سنة 2010، وتحاول الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة مالية تخفف العجز والدين العام، وتنشط العرض لضرب التضخم، وتعزيز دور الشركات في الناتج المحلي.
أخيراً، ما نتائج مشروع «البريكسيت» حتى اليوم؟ أهمها انخفاض سعر صرف الليرة الاسترلينية، أي ارتفاع للصادرات وللسياحة وللتسوق في بريطانيا بأسعار أرخص بالنقد الأجنبي أي خاصة باليورو والدولار. من النتائج الأساسية تحرك النمو البريطاني إيجاباً أي من المتوقع 1,9% هذه السنة إلى 2,2% السنة القادمة. بالنسبة للقارة، لا بد وأن يدفع الخروج البريطاني إلى القيام بالإصلاحات التي يطالب بها الشعب على صعيد القوانين والمؤسسات، لإعادة الحياة واللحمة إليها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"