دول "الربيع" وتبعات التغيير الاقتصادية

03:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

مع انتصاف العام، تصدر المؤسسات ومراكز الأبحاث تقاريرها المنوعة حول مختلف القضايا والتوقعات بشأنها لبقية العام والأعوام المقبلة . وبما ان التعافي الاقتصادي العالمي متعثر، وأزمة الديون السيادية الاوروبية مستمرة وتطوراتها لا تختلف عن توقعات متشائمة سابقة واقتصادات القوى الصاعدة كالصين والهند في هدوء متوقع فليس هناك أكثر تحركاً من اقتصادات دول المنطقة العربية التي تشهد عمليات تغيير سياسي عميقة . لذا لاحظت اهتماماً واضحاً من المؤسسات الاقتصادية العالمية بالمنطقة في تقاريرها الموسمية . وفي الأيام الأخيرة نشرت وحدة معلومات الايكونومست تقريراً عن الوضع الاقتصادي لدول الربيع العربي، يرسم صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في الدول التي شهدت تغييراً سياسياً في العامين الاخيرين ضمن موجة التغيير في المنطقة وشمال إفريقيا، مع التركيز على مصر وتونس واليمن وليبيا .

كما أصدرت مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز تقريراً عن مخاطر المرونة النقدية والمخاطر السياسية في دول المنطقة التي تؤثر في التصنيف الائتماني لديونها السيادية . وتستند المؤسسة في تصنيفها الائتماني اي قدرة اي دولة على سداد ديونها كاملة وفي موعد استحقاقها على عدة عوامل مثل الاستقرار السياسي الداخلي والأوضاع السياسية الإقليمية . كما تأخذ في الاعتبار عوامل اخرى مثل شفافية مؤسسات البلد ومدى المسؤولية والمحاسبة والرقابة لدى تقييمها للمخاطر السياسية . أما بالنسبة للسياسة النقدية كعامل مهم في تقدير التصنيف الائتماني لبلد فيستند إلى مدى تقييد الدولة لسعر صرف عملتها أو تحريره إضافة إلى وضع سوق المال في الدول المعنية .

ويقسم التقرير 13 دولة وحكومة إقليمية تقييمها ستاندرد آند بورز في المنطقة إلى قسمين بشكل عام مع عرض تقييم لكل واحدة على حدة . وفي العموم، يضع التقرير دولاً مثل مصر البحرين ومصر والأردن وعمان وتونس في خانة التوقع السلبي بمعنى ان مؤسسة ستاندرد آند بورز قد تخفض التصنيف الائتماني لها في غضون العام او العامين المقبلين، على حسب تطور المخاطر السياسية و الإقليمية والسياسة النقدية والمالية لها . أما الكويت وقطر والإمارات والسعودية والمغرب ولبنان ففي خانة توقع مستقر بمعنى أن تصنيفها الائتماني قد لا يشهد أي تغيير في المستقبل المنظور .

وبالنسبة لمصر، وحسب ارقام البنك المركزي المصري، تحول ميزان المدفوعات في 2011 من فائض ضئيل إلى عجز هائل بقيمة 3 .18 مليار دولار مع تراجع الاستثمارات (التي تتمثل اساساً في مشتريات اذون الخزانة المصرية والاسهم من قبل المستثمرين الاجانب) من تدفق بمعدل 9 .10 مليار دولار إلى خروج بمعدل 4 .10 مليار دولار، وتوقف الاستثمار الاجنبي المباشر .

وحسب الارقام الرسمية المصرية أيضاً ، تراجع احتياطي العملات الاجنبية من 35 مليار دولار في يناير 2011 إلى 15 مليار دولار في مارس ،2012 وذلك منطقي مع زيادة نسبة الانفاق على الدعم في نصف العام التالي بنسبة 42 في المئة وزيادة رواتب ومخصصات اجور القطاع العام بنسبة 27 في المئة . وهكذا ارتفعت نسبة الفائدة على اذون الخزانة (15 في المئة الآن) سندات الدين السيادي المصرية الرئيسية .

وفي تونس، التي تبدو افضل اقتصادياً من بقية دول التغيير العربية، فقد طرحت الحكومة في مارس ميزانية جديدة بزيادة بنسبة 7 .10 في المئة عن الميزانية الحالية المتضخمة اصلا . وتضمن الميزانية اهدافاً طموحة جداً مثل عدم رفع اسعار السلع الغذائية المدعمة وزيادة الاستثمارات في المناطق غير الساحلية المحرومة وبناء 30 الف وحدة سكنية لمحدودي الدخل وتوفير 100 الف فرصة عمل جديدة . وقدرت الميزانية زيادة الموارد والعائدات بشكل فيه مبالغة، اذ وضعت زيادة العائدات عند نسبة 22 في المئة نتيجة ارتفاع حصيلة الضرائب والخصخصة وبيع الاصول المصادرة .

أما في اليمن فلا تبدو ميزانية 2012 المطروحة واقعية، إذ تتضمن زيادة في الانفاق بنسبة 6 .45 في المئة، مع زيادة دعم المحروقات . وأقرت أول ميزانية بعد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح في ابريل . ويقدر مشروع الميزانية تغطية زيادة النفقات من ارتفاع الانتاج النفطي إلى 300 الف برميل يومياً من 140 ألف برميل يومياً حاليا .

حتى ليبيا، وان كانت لا تفتقر إلى الأموال نتيجة عائدات النفط والحصول على أصول سابقة لنظام العقيد القذافي الا ان الوضع السياسي المضطرب في ظل حكومة شبه معزولة ومناطق ليبية مضطربة وغارقة في النزاع والمطالب الإقليمية ربما يجعل تحسين الوضع الاقتصادي غاية في الصعوبة، حتى رغم توافر الأموال التي تغطي النفقات المقترحة على الانشاءات والتنمية والمقدرة بنحو 60 مليار دولار .

وحسب تلك التقارير فإن ما يفاقم الوضع الاقتصادي في دول التغيير العربية ان حالة الاقتصاد العالمي لا تساعد . كما ان الوعود بالمساعدة المالية من الدول الصديقة، خاصة العربية المصدرة للنفط، لم تتحقق أو لم تكن بالقدر الذي يخفف من الآلام الاقتصادية . وربما كانت تونس الأفضل حالاً، اذ تمكنت من الحصول على 2 .1 مليار دولار في شكل مساعدات وقروض واعفاء من ديون، لكن ذلك مقابل خسائر تزيد على ملياري دولار . أما اليمن فلم يحصل سوى على بضعة ملايين لا يمكن ان تحل أي مشكلة . تبقى مصر الأكثر تضرراً، حتى الوعد السعودي بنصف مليار دولار لشراء أذون خزانة لم يتحقق على مدى عام .

وما لم تسرع دول التغيير العربي بضبط أمورها الداخلية بنفسها، فإنها تفتح باباً خطيراً للتأثير في مسار أوضاعها المضطربة تلك عبر مساعدات وقروض لن تجد مفراً من القبول بشروطها .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"