بعد الأزمة لا بد من خطوات إصلاحية

03:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا بد للأزمات من أن تحصل في الدول أو إقليمياً أو دولياً . يمكن أن تكون الخسائر كبيرة لكن الأهم هو أخذ العبر لتجنب تكرارها مستقبلاً . ليس هنالك من أزمة لا تتبعها إصلاحات، إلا أن المسألة تكمن في عمق هذه الإصلاحات وجديتها وتأثيرها في واقع ومستقبل الاقتصاد . خلال أزمة ،1929 سقط الناتج الأمريكي بنسبة 30% مما سبب تكبير حجم القطاع العام لإعطاء الإمكانية للحكومة للتدخل في الاقتصاد . تأسست مؤسسة ضمان الودائع FDIC في سنة 1933 والضمان الاجتماعي في سنة 1935 كما مؤسستا الصحة العامتين Medcaid Medicare في سنة 1965 . في سنة 1938 خلق ما يعرف بالحد الأدنى للأجور احتراماً لحقوق العمال ودعماً لسياسات الاستقرار الاجتماعي . لم تقتصر تأثيرات الأزمة على الولايات المتحدة، بل وصلت إلى كل دول العالم وخلقت ما يعرف بدول الرفاهة أو العناية الاجتماعية . تعد السويد الدولة الأكثر رقياً في هذا المجال تتبعها النرويج في المرتبة الثانية، فألمانيا في المركز التاسع وفرنسا في العاشر واليابان في الأحد عشر، فالولايات المتحدة في المرتبة الخامسة عشرة . هنالك فارق كبير بين أزمة 2007 والأزمات السابقة منذ ،1929 أهمها أنها تحققت بعد وقت طويل من النمو والهدوء المتواصلان . نبعت الأزمة الحالية في الولايات المتحدة وامتدت إلى الدول الصناعية وثم العالم أجمع مع بعض الاستثناءات القليلة . لا بد من التنويه باقتصادات الدول الناشئة التي تجنبت أزمات الإقراض بفضل سياساتها كما بفضل ركائز اقتصاداتها .

أما اليوم، فالمهم أن يخرج العالم من أزمته التي لا تقتصر على الاقتصادات الغربية، بل تطال الجميع وكل السلع والخدمات والمواد الأولية والنقد . لكن ما الخطوات الأولية التي يجب تطبيقها لمنع التكرار؟

أولاً: لا بد من تعزيز الطلب لرفع الناتج المحلي الإجمالي بالتعاون بين السلطات المالية والنقدية . دور الحكومة كبير هنا، إذ يمكنها زيادة إنفاقها أو تخفيض الضرائب، إلا أن هذا لم يستمر . ما يحصل اليوم من سياسات تقشفية في أوروبا خاصة، ودولياً عامة، يؤذي الفقراء ولا يشكل حلاً على المدى البعيد، بل يعزز الفجوة في الثروة والدخل داخل الاقتصادات الواحدة . تحتاج الاقتصادات اليوم إلى المزيد من الطلب، إذ إن المشكلة الأساس انتقلت من التضخم إلى البطالة .

ثانياً: تعزيز الرقابة في الأسواق المالية الداخلية، مما يسهم في تخفيف نسبة الديون من الأصول للأفراد والشركات، كما تقلل في الوقت نفسه الإفلاسات المصرفية التي يدفع ثمنها المواطن العادي عبر ضرائبه . لا يمكن تحميل دافعي الضرائب أخطاء المصارف التي تتهور إقراضياً وإدارياً وقانونياً في العديد من الأحيان .

ثالثاً: العولمة مفيدة في التجارة والاستثمارات والنمو، لكن الضوابط ضرورة تجنباً للأزمات . لا تكفي أن تكون الضوابط وطنية فقط، بل من الضروري وضعها إقليمياً ودولياً عبر المؤسسات المتخصصة كصندوق النقد الدولي . المهم التعاون مع الدول النامية بعناية، لأن أوضاعها مختلفة ومناعتها ضعيفة وتتعرض للخضات المالية والنقدية .

رابعاً: لا بد من زيادة منسوب التعاون بين الدول الصناعية والنامية ليس فقط في المساعدات، وإنما خاصة في التجارة . من أسواء نتائج الأزمة الحالية أنها تطرح أسئلة كبيرة لا جواب عليها . قال كارل ماركس أن أزمة النظام الرأسمالي داخلية بنيوية أي لا مفر منها . قال أيضاً إن الدين هو أفيون الشعوب، فرد عليه بول سامويلسون بعد زمن أن الماركسية هي أفيون الماركسيين . يمكن القول إن ماركس وانغلز كتبوا أكثر من ألف صفحة عن مساوئ النظام الرأسمالي، لكن أقل من مئة صفحة عن البدائل الواقعية المقبولة . قال كينز إن الأسواق المالية لا توزع رؤوس الأموال على القطاعات بشكل فاعل وفاضل، مما يفرض تدخل القطاع العام في الاقتصاد للتصحيح . قال مينسكي إن الدورات الاقتصادية الصاخبة تأتي من تفشي الإقراض المتهور، مما يضخم الأزمات ويرفع من تكلفة الإنقاذ . هنالك أحزاب وسياسيون وخبراء يتهمون النظام الاقتصادي الصناعي الممارس منذ الحرب العالمية الثانية بتلوث البيئة وتحقيق السخونة الأرضية والمشكلات المناخية ويطالبون الحكومات بالمعالجة والتصحيح .

هل الثقة فقدت نهائياً في النظام الاقتصادي الحر وفي قوة الأسواق من ناحية إعطائها أفضل النتائج في الكميات والنوعية والأسعار؟ هل هنالك بدائل واقعية ومنطقية للنظام الحر؟ فقدان البديل يسهم في استمرار الواقع الحالي وفي تأخير الإنقاذ المبني على ركائز مستقبلية قوية؟ خطورة الأزمة الحالية في الدول الأكثر تعرضاً لها تكمن في أنها كانت داخلية ولم تأت من الخارج . لذا طرح موضوع جدوى النظام الحر الممارس، خاصة منذ الثمانينات يقع في محله . لا أحد ينكر النتائج الفضلى للرأسمالية على النمو والثروة والاستهلاك، إلا أن الإصلاح أو الترميم مطلوبان دولياً . المهم ألا نقتبس الدروس الخاطئة والمضرة من الأزمة الحالية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"