الوعي البيئي والنضوج الاقتصادي

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

هنالك وعي بيئي متزايد دولياً وإن يكن غير كاف . في الدول الصناعية، الوعي البيئي أفضل بسبب النضوج الاقتصادي الذي ربما يكون وجوده شرطاً لتحقيق التنمية المستدامة المرتكزة على البيئة النظيفة . يعلم العالم الصناعي أن تطوره الإنتاجي أضر بالبيئة أي سبب تلوث الهواء والمياه والسلع الزراعية، فأصاب الأجيال الحالية والمستقبلية في صحتها . في الدول النامية والناشئة، هنالك إهمال للبيئة ربما ناتج عن ضعف الإمكانات المادية أو عن قلة الوعي في بعضها لأهمية النظافة البيئية . الأجيال الحالية أضرت بالبيئة وتحاول تصحيح الخلل أو بعضه، لكن يتوقف على الأجيال المستقبلية تحقيق الاصلاح البيئي الحقيقي ليس فقط في القوانين والإجراءات وإنما أيضاً وخاصة في تنفيذ التصحيح والتنظيف البيئيين .

تأثير التلوث في الصحة واضح وموثق في الدراسات . يؤثر التلوث في كل جوانب الصحة، فيسبب الأمراض المعدية الدائمة القاتلة . يؤثر سلباً في قدرة الانجاب وأحياناً في صحة المولودين الجدد . يؤثر سلباً في الأعصاب والرئتين ويحدث توترات كبرى في الدماغ . استهلاك السلع الملوثة، بسبب الأدوية الكيمائية، يسبب السمانة والسكري وأمراض القلب على أنواعها . معالجة هذه الأمراض تكلف المجتمع الدولي 30 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى خسارة يد عاملة وفكرية ناشطة ومجتهدة . يؤثر التلوث سلباً في الاجهاد في العمل، مما يسبب انخفاضاً في الإنتاجية وغياباً قسرياً للمعالجة . المطلوب سياسات صحية وطنية عامة تعي خطورة التلوث وتركز على الوقاية قبل المعالجة .

ملف البيئة شاق ويرتبط بكل القطاعات من مال إلى أشغال وانتاج وقانون وغيرهم . في كل دولة من الضروري دراسة أسباب التلوث التي تختلف من مجتمع الى آخر . يجب أن يعي المجتمع فوائد التصحيح البيئي من ناحية تأثيره في نوعية الحياة وصحة الانسان وعمره المرتقب . يجب أن يعي المجتمع التكلفة الكاملة للتلوث البيئي التي لا تقتصر على المال، وإنما تطال الرفاهية الاجتماعية والإنسانية . يجب تقييم المنافع والتكلفة لمعرفة الفوائد النهائية المؤكدة من التنظيف البيئي . تكمن المشكلة في صعوبة تقييم بعض الفوائد كما بعض المنافع لأنها نوعية ولا أسعار أو أسواق لها . في كل حال يمكن وضع بعض التقديرات لمعرفة الجواب الصافي النهائي .

لا يمكن حل مشكلة البيئة من دون دور أساسي للقطاع العام في وضع التشريعات المناسبة والقاسية تجاه الملوثين . يجب وضع ضرائب مرتفعة على الملوثين تسهم في دفع تكلفة التنظيف البيئي . يمكن للقطاع الخاص أن يسهم في تخفيف التلوث عبر استعمال مصادر طاقة نظيفة أي الشمس أو الماء أو الهواء أو النووي . يجب الابتعاد عن الطاقات الملوثة ضمن إمكانات الواقع وتوافر المصادر البديلة . المطلوب وجود قضاء متخصص يصدر أحكاماً سريعة ضد الملوثين ويلزمهم بتنفيذ التنظيف الضروري الذي نعرف جميعاً أنه مكلف جداً .

يقول كوس الذي حاز جائزة نوبل للاقتصاد إن حل مشكلة التلوث البيئي يكمن في تحديد حقوق الملكية بشكل واضح بحيث يعوض الملوث على المالك المتضرر، وبالتالي يمكن للأسواق أن تحل المشكلة البيئية . في حال كان عدد المتضررين كبير جدًا بسبب الهواء أو المياه مثلاً، لا بد من تدخل الدولة لتمثل المتضررين إذ تعجز الأسواق الحرة عندها عن إيجاد الحل المرضي والمناسب . في كل حال تدخل الدولة ضروري شرط أن يكون فاعلا وذات تكلفة مدروسة إضافة إلى إمكانية تنفيذه سياسياً . هنالك عدة أنواع من المشاكل البيئية:

أولاً: عندما تكون محلية المصدر مع تأثيرات محلية فقط، يمكن حلها عبر السوق أو مع تدخل الدولة كما قال كوس تبعاً لعدد المتضررين .

ثانياً: عندما تكون محلية المصدر مع تأثيرات إقليمية أو دولية، لا بد عندها من تدخل منظمات اقتصادية تصل الدول بعضها بعضاً لهدف الحل .

ثالثاً: هنالك مشاكل بيئية دولية مع تأثيرات دولية كتغيير المناخ والسخونة الأرضية واستهلاك الموارد الطبيعية وغيرها، وهذا يتطلب وضع وتنفيذ اتفاقيات دولية كبيرة ك ريو 1992 وكيوتو 1997 تلزم الجميع . للأسف هذه الاتفاقيات لم تكن ملزمة ووقعها عدد غير كاف من الدول . فالولايات المتحدة مثلاً الملوثة الأولى في العالم لم توقع كيوتو لأنه لم يكن لها مصلحة فيه . حصل التغيير السياسي الإداري في الولايات المتحدة بين إدارتي كلينتون وبوش في ذلك الوقت، وكان مضراً للأوضاع البيئية الدولية . كان آل غور ملتزماً بالموضوع البيئي، ولو فاز لكان الواقع البيئي الدولي تغير كثيراً . كان هنالك نحو 170 دولة راغبة في التوقيع على كيوتو بالرغم من أن 55 دولة كانت كافية . المهم أن بقاء أمريكا والدول النامية والناشئة خارجها عطلها، إضافة إلى عدم الإلزامية ما جعلها نظرية أكثر منها عملية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"