فقاعة ديون مقبلة

01:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. أيمن علي

يتحدث عدد من الاقتصاديين منذ فترة عن أزمة ديون عالمية تختمر ولا يهتم بها صناع السياسات الاقتصادية كثيراً ، بما ينذر بانفجار فقاعة قد يكون أثرها أخطر من أزمة 2009/‏2008 المالية. ومن بين ما يلفت انتباه بعضهم، وإن لم يحظ بتغطية إعلامية حتى في منافذ الإعلام الاقتصادي، فقاعة سوق السندات العالمي. وتخرج بين الحين والآخر أصوات خجولة تحذر من أن السياسات النقدية، التي تضعها البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية والناشئة في العالم، تستهدف «ترقيع» عيوب النظام المالي العالمي منذ الأزمة الأخيرة ولم تستطع بعد التعامل مع أي من الاختلالات الهيكلية الأساسية التي قادت للأزمة المالية العقد الماضي.
بل إن تقريراً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) صدر بنهاية سبتمبر يرجع «زيادة مخاطر الكساد السعري في الاقتصادات الناشئة واحتمال انفجار فقاعة ديون الشركات (أغلبها سندات) التي تجاوزت الآن 25 تريليون دولار» إلى سياسات التسهيل النقدي (عبر خفض نسب الفائدة) وضخ الأموال في الاقتصاد. وهناك شبه إجماع لدى الاقتصاديين على أن سياسات التسهيل النقدي في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أدت إلى إغراق الاقتصادات الناشئة بالأموال «الرخيصة» ما زاد من غليان فقاعة الإقراض. المثير أن أغلب تلك الأموال، المقترضة بسهولة لانخفاض أسعار الفائدة، لم تذهب إلى استثمارات طويلة الأمد أو في قطاعات منتجة وإنما كما يقول تقرير الأونكتاد إلى «قطاعات سريعة التدوير ذات أهمية استراتيجية محدودة جداً».
اعتبر بعض المراقبين تقرير الأونكتاد يساري التوجه، ويهدد عولمة الرأسمالية التي ميزت الاقتصاد العالمي كله منذ أكثر من أربعة عقود وكانت سبباً في صعود الاقتصادات الناشئة. ولا يكاد يخفي التقرير حقيقة أن الاقتصادات الصاعدة، أو الناشئة، إنما سارعت في استيراد علل واختلالات الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة قبل أن تمر بمراحل تطور طبيعي يمكنها من هضم تلك العلل والتعامل معها.
هناك اقتصاديون، وإن كانوا قليلي العدد وصوتهم ليس عالياً، يرون ذلك منذ فترة ويتحدثون بوضوح عن أن «الرأسمالية المالية» تحمل بذور تدمير النظام بالكامل إذا تركت بدون ضبط. ويحذر هؤلاء من أن أغلب ما يتخذ من إجراءات على صعيد السياسات الاقتصادية إنما يخدم «المستثمرين» في أسواق المال ومن حولهم. وهذا بالضبط ما يبدو أن تقرير الأونكتاد يوصي بتغييره، أي تولي الدول تقرير سياساتها النقدية والاقتصادية دون أن يكون مستهدفها السياسي أسواق الأسهم والسندات وخدمة صناديق الاستثمار فحسب.
لنتذكر أن حجم الديون التي ما إن ظهر «فسادها» انفجرت أزمة الرهن العقاري الأمريكي ثم انهارت ليمان براذرز في 2008 لم يزد على تريليوني دولار، بينما نتحدث الآن عن 25 تريليون دولار. وحسب تقرير الأونكتاد، زادت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الناشئة من 57 في المئة إلى 104 في المئة منذ عام 2008 حتى الآن.
ويلاحظ التقرير أنه «تظل هناك ضغوط كساد سعري متصاعدة تؤدي إلى هروب رأس المال وخفض قيمة العملات وانهيار أسعار الأصول بما يبطئ النمو ويقلص عوائد الحكومات. ومع هروب رؤوس الأموال من مناطق الاستثمار هناك خطر حقيقي بالدخول في المرحلة الثالثة من الأزمة المالية التي بدأت في سوق العقارات نهاية 2007 وانتقلت إلى سوق السندات الأوروبية».
ومع هشاشة وضع النظام المالي العالمي، ولجوء واضعي السياسات لخيارات مؤقتة بحلول جزئية لا تواجه الاختلالات الهيكلية الأساسية التي أدت للأزمة السابقة وقد تجعل من أية أزمة جديدة أشد وطأة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"