ليست مصر وحدها التي تعاني من مشكلة تصاعد استهلاك الطاقة في السنوات الاخيرة بالشكل الذي يضغط على الطاقة الانتاجية المتوفرة . فمع التغيرات الاقتصادية التي صاحبتها سلوكيات جديدة وتطور اسلوب الحياة زاد استهلاك الكهرباء في اغلب الدول، وخاصة الدول صاعدة النمو ومنها كثير من دول المنطقة .
الا ان حدة الأزمة في مصر خلال الشهر تضاعفت بانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي عن منازل سكان القاهرة وغيرها في احياء كثيرة منها شبه يومي، وخاصة خلال شهر رمضان . وتناولت وسائل الاعلام الأزمة بشكل اقرب للإثارة بسبب الطبيعة الجماهيرية للأزمة وللاسف كانت مواقف الحكومة ردود فعل مماثلة لتناول الاعلام إلى حد ما . لكن أزمة الكهرباء القت الضوء على أزمة اخرى تتعلق بالسياسة الاقتصادية للحكومة المصرية عموما في العامين الاخيرين والتي اصبحت تتسم بعدم الاتساق وتبدو بعض اركان الحكومة وكأنها تعمل وحدها في جزر منعزلة دون خطة شاملة للبلد ككل .
واعلنت وزارة الكهرباء المصرية انها قررت اضافة الف ميغاوات كخطة اسعافية لمواجهة احمال الصيف على ان يتم ربط تلك القدرات بالشبكة الكهربائية قبل صيف ،2011 وتتمثل القدرات المقرر اضافتها في محطتي دمياط والشباب بقدرة 500 ميغاوات لكل منهما، بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 31 مليون جنيه مصري .وهذا تسريع لخطة سابقة لوزارة الكهرباء بالفعل بسبب الضغوط نتيجة انقطاع التيار عن البيوت لكنه ليس حلا طويل الامد لمشكلة تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء .
تبلغ نسبة الزيادة السنوية في الطلب على الطاقة في مصر ما بين 7 و10 في المئة، وهي نسبة نمو كبيرة دفعت وزارة الكهرباء إلى الاستثمار في السنوات الاخيرة لزيادة قدرات التوليد والتوزيع لمواجهة الاستهلاك المتصاعد .
وبلغت طاقة توليد الكهرباء في مصر الآن ما يصل إلى 24 ألف ميغاوات، إلا أن الطلب في أوقات الذروة وخاصة خلال شهر رمضان الذي جاء هذا العام في فصل الصيف وصل إلى 23 الف ميغاوات، وكان من المفترض ان تستكمل وزارة الكهرباء مشروعات لزيادة الطاقة الانتاجية بمقدار 7750 ميغاوات التي خطط لها في الفترة من 2007 إلى ،2012 بالإضافة إلى خطط معتمدة لاضافة 11 الف ميغاوات اخرى في السنوات الخمس التالية .
ويتم توليد الكهرباء في مصر من محطات تعمل غالبيتها بالوقود، واكثرها بالغاز، ويأتي قدر من الطاقة الكهربائية من مولدات هيدروكهربائية من السد العالي في اسوان وعدد من السدود الصغيرة الأخرى إضافة إلى قدر ضئيل من محطات توليد الكهرباء من الرياح .
وفي فصل الصيف تقل كفاءة المولدات، خاصة التي تعمل بالغاز، وبالتالي تقل الطاقة الانتاجية للمحطات اذ ان المولدات بالغاز لا تعمل بكفاءة عالية في الجو الحار جداً . وحين تم مؤخرا الاتفاق مع شركة بي .بي على تطوير احتياطيات الغاز المصرية، في صفقة بقيمة 9 مليارات دولار، جاء ذلك في وقت تعاني بي بي فيه من مشكلات جمة مما قد يؤخر موعد وصول ذلك الغاز إلى السوق عمليا .
وعودة إلى عدم التنسيق في الحكومة، اذ ان توزع المسؤوليات ما بين الوزارات المختلفة يؤدي إلى سياسات لا تبدو متسقة في كثير من الاحيان . كما ان فكرة البحث عن كبش فداء بعيدا عن كل جهة تجعل من الصعب تصور حلول ناجعة لمشكلات عدة وليس فقط مشكلة الكهرباء .
ففيما يرى وزير البترول انه من الممكن الحفاظ على التوازن في سوق الغاز الطبيعي بين الانتاج والطلب المحلي عبر عمليات ترشيد، يلجأ وزراء آخرون إلى تحميله ووزارته مسؤولية تعطيل خططهم للتطوير والتنمية . فإلى جانب ما ذكر عن ان المشكلة في أزمة انقطاع الكهرباء ليست في وزارة الكهرباء وانما في وزارة البترول التي لا تمدها بالغاز الكافي لتشغيل محطات التوليد، يحمل وزير التجارة والصناعة وزارة البترول مسؤولية تعطيل خططه . فوزير التجارة اطلق خطة طموحة لمضاعفة الصناعات للتصدير، واغلبها كثيف الاعتماد على الطاقة ما يعني زيادة هائلة في الطلب المحلي على النفط والغاز . وبينما يرى وزير البترول ان من المفيد عمليا استيراد سلع كالاسمنت كثيف الاعتماد على الطاقة بدلا من انتاجها محليا يرى وزير التجارة ان الافضل استيراد الغاز لتشغيل مشروعاته المقترحة .
* خبير اقتصادي
