الاقتصاد السوري في ظل الصراع

05:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

بفضل الدعم الإيراني والروسي تمكنت الحكومة السورية من مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تفرضها حالة الحرب في البلاد إلى حد كبير . ورغم تضرر قطاعات كثيرة من الاقتصاد السوري مثل الزراعة، خاصة أن المناطق الزراعية في الشمال والوسط هي من المناطق المتضررة بالحرب بين الحكومة والمعارضة، وكذلك التجارة نتيجة الحالة الأمنية العامة في البلاد، إلا أن قطاعات أخرى تظل مربحة مثل قطاع البنوك وقطاع الاتصالات . مع ذلك، وحتى مع تمكن بعض الصناعات السورية الخاصة من نقل أعمالها من الشمال والوسط إلى تركيا (من حلب إلى غازي عنتاب ومن حمص إلى لبنان) ومنطقة الساحل السوري الآمنة نسبياً، فإن كثيراً من الصناعات انهارت أيضا . ويظل الأثر النهائي للصراع على مدى نحو ثلاث سنوات على الاقتصاد السوري كارثياً . لكن مجرد قدرة الحكومة على الاستمرار في ظل تلك الظروف يعد إنجازاً بالتكيف مع اقتصاد حرب .

وحسب دراسة قامت بها منظمتان تابعتان للأمم المتحدة، هما الأونروا وبرنامج التنمية للأمم المتحدة، فقد خسر الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوري ما يصل إلى 50 مليار دولار بالأسعار الجارية منذ عام 2010 حتى الآن . تمت الدراسة بتكليف من المركز السوري لأبحاث السياسة ومقره دمشق، وحسبت نتائجها على أساس التقديرات السابقة قبل الأزمة لنمو الناتج المحلي بنسبة سنوية بمتوسط 7 في المئة، وقدرت الدراسة انكماش الاقتصاد السوري بمعدل متسارع في العامين 2011 و2012 . وقدرت الدراسة أن الناتج المحلي الإجمالي السوري تراجع بنمو سلبي بنسبة 7 .3 في المئة عام 2011 وبلغ معدل النمو السلبي في 2012 نسبة 7 .27 في المئة . أما في النصف الأول من عام 2013 الجاري فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 7 .36 في المئة بمعدل سنوي . وأهمية نتائج الدراسة أنها جاءت أسوأ بكثير من تقديرات مؤسسات اقتصادية غربية عن تدهور الاقتصاد السوري . إذ كانت وحدة معلومات الإيكونومست قدرت في وقت سابق من هذا العام نسب انكماش الناتج المحلي الإجمالي السوري بنحو 4 .3 في المئة لعام 2011 ونحو 9 .18 في المئة لعام 2012 . والواضح أن تقديرات دراسة الأمم المتحدة الأخيرة أخذت في الاعتبار التراجع الشديد في الاستهلاك الحكومي، وكذلك في الإنفاق العام وإن ظل الإنفاق العام على متطلبات الحرب يرفع من الإنفاق إلى حد ما .

وفي تفصيل دراسة الأمم المتحدة، ومع أن كل قطاعات الاقتصاد السوري أصيبت بأضرار بالغة، فإن أكثر القطاعات تضررا هو قطاع التعدين مع شبه انعدام الإنتاج النفطي منذ منتصف العام الماضي، إضافة إلى النقل والتجارة الداخلية . ويشكل القطاع الزراعي نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي، ومع ما أصابه من أضرار نتيجة الحرب فقد كان أثر ذلك بالغا في معدل الانكماش الاقتصادي . ونتيجة أوضاع الحرب تراجع الإنفاق الاستثماري، الحكومي والخاص، بشدة منذ عامين كما أدى توقف كثير من الصناعات إلى تراجع الصادرات بشدة، خاصة إلى العراق التي كانت أكبر سوق تصديرية لسوريا قبل الأزمة . تخلص نتائج الدراسة إلى تدهور هائل في الاقتصاد السوري، ومع ذلك يواصل السوريون حياتهم وإن بصعوبة في ظل هذا الوضع المتدهور . وحسب التقارير الإعلامية الأخيرة، فمن بين 4 .21 مليون نسمة هم تعداد سكان سوريا هناك مليونان مسجلون كلاجئين لدى الأمم المتحدة إضافة إلى حوالى 4 ملايين من النازحين في الداخل السوري . ويعتمد أغلب السوريين الآن في تدبير معيشتهم على الدعم الحكومي والمعونات الخارجية، ونتيجة ذلك فقد تراجع انفاق المستهلكين إلى حد كبير . وحسب ميزانية 2014 التي قدمتها الحكومة السورية للبرلمان فقد خصصت 615 مليار ليرة سورية (نحو 5 .4 مليار دولار) للدعم وهو ما يزيد عن 44 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي وعن 60 في المئة من الإنفاق الجاري . وتؤمن المساعدات الروسية والإيرانية شريان حياة اقتصادي للحكومة السورية، فعلى سبيل المثال تتمكن سوريا من توفير احتياجاتها من الوقود من إيران عبر خط ائتمان قيمته 7 مليارات دولار .

وبعد التوصل إلى اتفاق حول تدمير الترسانة السورية من الأسلحة الكيماوية، بدت أوروبا وكأنها خففت بشكل غير رسمي من القيود المالية على سوريا . ففي منتصف الشهر الماضي نقلت وكالات الأنباء خبر اتفاق الحكومة السورية من خلال شركة حبوب العامة على استيراد 500 ألف طن من القمح عبر أوروبا، وصل منها بالفعل 150 ألف طن . ونتيجة تلك التطورات، وفيما يبدو انعكاسا لتحسن السيولة لدى الحكومة، شهدت العملة السورية الليرة تحسنا في سعر صرفها خاصة في السوق السوداء . فمن نحو 200 ليرة للدولار وصلت مؤخرا إلى نحو 160 ليرة للدولار . كذلك تقلص الفارق بين سعر صرف الليرة في السوق السوداء وسعر صرفها الرسمي من 50 في المئة إلى 20 في المئة .

والواضح أن أي حلحلة سياسية، رغم استمرار القتال على الأرض، تعطي الاقتصاد السوري دفعة للاستمرار فوق خط الانهيار التام, وربما ساعد أيضا اعتماد القطاع الخدمي السوري على الجانب اللبناني في استمرار صمود هذا القطاع رغم الأضرار الكارثية التي مني بها نتيجة الصراع . وربما تفيد تجربة لبنان الذي عاش باقتصاد حرب خلال سنوات الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كنموذج للاقتصاد السوري خلال فترة الصراع تلك .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"